فيه خمس مسائل:-
قوله تعالى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ﴾ قيل: كان هذا الخطاب من الله تعالى لموسى وحيا؛ لأنه قال: ﴿فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى﴾ ولابد للنبي في نفسه من معجزة يعلم بها صحة نبوة نفسه، فأراه في العصا وفي نفسه ما أراه لذلك. ويجوز أن يكون ما أراه في الشجرة آية كافية له في نفسه، ثم تكون اليد والعصا زيادة توكيد، وبرهانا يلقى به قومه. واختلف في ﴿مَا﴾ في قوله ﴿وَمَا تِلْكَ﴾ فقال الزجاج والفراء: هي اسم ناقص وصلت بـ ﴿يَمِينِكَ﴾ أي ما التي بيمينك؟ وقال أيضا: ﴿تِلْكَ﴾ بمعنى هذه؛ ولو قال: ما ذلك لجاز؛ أي ما ذلك الشيء: ومقصود السؤال تقرير الأمر حتى يقول موسى: هي عصاي؛ ليثبت الحجة عليه بعد ما اعترف، وإلا فقد علم الله ما هي في الأزل. وقال ابن الجوهري وفي بعض الآثار أن الله تعالى عتب على موسى إضافة العصا إلى نفسه في ذلك الموطن، فقيل له: ألقها لترى منها العجب فتعلم أنه لا ملك عليها ولا تنضاف إليك. وقرأ ابن أبي إسحاق ﴿عَصَيَّ﴾ على لغة هذيل؛ ومثله ﴿يَا بُشْرَى﴾ و ﴿مَحْييَّ﴾ وقد تقدم. وقرأ الحسن ﴿عصاي﴾ بكسر الياء لالتقاء الساكنين. ومثل هذا قراءة حمزة ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ [إبراهيم: ٢٢]. وعن ابن أبي إسحاق سكون الياء.
الثانية: في هذه الآية دليل على جواب السؤال بأكثر مما سئل؛ لأنه لما قال: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾ ذكر معاني أربعة وهي إضافة العصا إليه، وكان حقه أن يقول عصا؛ والتوكؤ؛ والهش، والمآرب المطلقة. فذكر موسى من منافع عصاه عظمها وجمهورها وأجمل سائر ذلك. وفي الحديث سئل النبي ﷺ عن ماء البحر فقال: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته". وسألته امرأة عن الصغير حين رفعته إليه فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم ولك أجر". ومثله في الحديث كثير.
الثالثة: قوله تعالى: ﴿أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا﴾ أي أتحامل عليها في المشي والوقوف؛ ومنه الاتكاء ﴿وَأَهُشُّ بِهَا﴾ ﴿وَأَهُشُّ﴾ أيضا؛ ذكره النحاس. وهي قراءة النخعي، أي أخبط بها


الصفحة التالية
Icon