الآية: ١٩ - ٢٣ ﴿قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى، فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى، قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى، وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى، لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾
قوله تعالى: ﴿قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى﴾ لما أراد الله تعالى أن يدربه في تلقي النبوة وتكاليفها أمره بإلقاء العصا ﴿فَأَلْقَاهَا﴾ موسى فقلب الله أوصافها وأعراضها. وكانت عصا ذات شعبتين فصارت الشعبتان لها فما وصارت حية تسعى أي تنتقل، وتمشي وتلتقم الحجارة فلما رآها موسى عليه السلام رأى عبرة فـ ﴿وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [النمل: ١٠]. فقال الله له: ﴿خُذْهَا وَلا تَخَفْ﴾ وذلك أنه ﴿أ َوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً﴾ [طه: ٦٧] أي لحقه ما يلحق البشر. وروي أن موسى تناولها بكمي جبته فنهي عن ذلك، فأخذها بيده فصارت عصا كما كانت أول مرة وهى سيرتها الأولى، وإنما أظهر له هذه الآية لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون. ويقال: إن العصا بعد ذلك كانت تماشيه وتحادثه ويعلق عليها أحماله، وتضيء له الشعبتان بالليل كالشمع؛ وإذا أراد الاستقاء انقلبت الشعبتان كالدلو وإذا اشتهى ثمرة ركزها في الأرض فأثمرت تلك الثمرة. وقيل: إنها كانت من آس الجنة. وقيل: أتاه جبريل بها. وقيل: ملك. وقيل قال له شعيب: خذ عصا من ذلك البيت فوقعت بيده تلك العصا، وكانت عصا آدم عليه السلام هبط بها من الجنة. والله أعلم.
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾ النحاس: ويجوز ﴿حَيَّةً﴾ يقال: خرجت فإذا زيد جالس وجالسا. والوقف “حيه” بالهاء. والسعي المشي بسرعة وخفة. وعن ابن عباس: انقلبت ثعبانا ذكرا يبتلع الصخر والشجر، فلما رآه يبتلع كل شيء خافه ونفر منه. وعن بعضهم: إنما خاف منه لأنه عرف ما لقي آدم منها. وقيل لما قال له ربه ﴿لا تَخَفْ﴾ بلغ من ذهاب خوفه وطمأنينة نفسه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها. ﴿سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾ سمعت علي بن سليمان يقول: التقدير إلى سيرتها، مثل ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ﴾ [الأعراف: ١٥٥] قال: ويجوز أن يكون مصدرا لأن معنى سنعيدها سنسيرها.