في الوقت، والظالم الغافل عن الصلاة حتى يفوت الوقت والجماعة، فهو أولى بالظلم. وقيل: الظالم الذي يحب نفسه، والمقتصد الذي يحب دينه، والسابق الذي يحب ربه. وقيل: الظالم الذي ينتصف ولا ينصف، والمقتصد الذي ينتصف وينصف، والسابق الذي ينصف ولا ينصف. وقالت عائشة رضي الله عنها: السابق الذي أسلم قبل الهجرة، والمقتصد من أسلم بعد الهجرة، والظالم من لم يسلم إلا بالسيف؛ وهم كلهم مغفور لهم.
قلت: ذكر هذه الأقوال وزيادة عليها الثعلبي في تفسيره. وبالجملة فهم طرفان وواسطة، وهو المقتصد الملازم للقصد وهو ترك الميل؛ ومنه قول جابر بن حُنَي التغلبي:

نعاطي الملوك السلم ما قصدوا لنا وليس علينا قتلهم بمحرم
أي نعاطيهم الصلح ما ركبوا بنا القصد، أي ما لم يجوروا، وليس قتلهم بمحرم علينا إن جاروا؛ فلذلك كان المقتصد منزلة بين المنزلتين، فهو فوق الظالم لنفسه ودون السابق بالخيرات. ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ يعني إتياننا الكتاب لهم. وقيل: ذلك الاصطفاء مع علمنا بعيوبهم هو الفضل الكبير. وقيل: وعد الجنة لهؤلاء الثلاث فضل كبير.
الثالثة- وتكلم الناس في تقديم الظالم على المقتصد والسابق فقيل: التقدير في الذكر لا يقتضي تشريفا؛ كقوله تعالى: لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ } وقيل: قدم الظالم لكثرة الفاسقين منهم وغلبتهم وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم، والسابقين أقل من القليل؛ ذكره الزمخشري ولم يذكره غيره وقيل: قدم الظالم لتأكيد الرجاء في حقه، إذ ليس له شيء يتكل عليه إلا رحمة ربه. واتكل المقتصد على حسن ظنه، والسابق على طاعته. وقيل: قدم الظالم لئلا ييأس من رحمة الله، وأخر السابق لئلا يعجب بعمله. وقال جعفر بن محمد بن علي الصادق رضي الله عنه: قدم الظالم ليدبر أنه لا يتقرب إليه إلا بصرف رحمته وكرمه، وأن الظلم لا يؤثر في الاصطفائية إذا كانت ثم عناية، ثم ثنى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف والرجاء، ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن أحد مكر الله، وكلهم في الجنة


الصفحة التالية
Icon