قوله تعالى: ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ﴾ قيل: معنى الكلام المبالغة والانتهاء في التفهيم؛ أي أن قدرته تعالى تنال ما يكون في تضاعيف صخرة وما يكون في السماء والأرض. وقال ابن عباس: الصخرة تحت الأرضين السبع وعليها الأرض. وقيل: هي الصخرة على ظهر الحوت. وقال السّدي: هي صخرة ليست في السموات والأرض، بل هي وراء سبع أرضين عليها ملك قائم؛ لأنه قال: ﴿أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ﴾ وفيهما غنية عن قوله: ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ﴾ ؛ وهذا الذي قاله ممكن، ويمكن أن يقال: قوله: ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ﴾ تأكيد؛ كقوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ وقول: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا﴾ [الإسراء: ١].
الآية: [١٧] ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾
فيه ثلاث مسائل:
الأولي- قوله تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ﴾ وصّى ابنه بعظم الطاعات وهي الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذا إنما يريد به بعد أن يمتثل ذلك هو في نفسه ويزدجر عن المنكر، وهنا هي الطاعات والفضائل أجمع. ولقد أحسن من قال:

وابدأ بنفسك فانهها عن غَيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
في أبيات تقدم في ﴿البقرة﴾ ذكرها.
الثانية- قوله تعالي: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾ يقتضي حضا على تغيير المنكر وإن نالك ضرر؛ فهو إشعار بأن المغير أحيانا؛ وهذا القدر على جهة الندب والقوة في ذات الله؛ وأما على اللزوم فلا، وقد مضى الكلام في هذا مستوفى في ﴿آل عمران والمائدة﴾. وقيل: أمره بالصبر على شدائد الدنيا كالأمراض وغيرها، وألا يخرج من الجزع إلى معصية الله عز وجل؛ وهذا قول حسن لأنه يعّم.


الصفحة التالية
Icon