﴿من قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ أي من قبل هذه الغلبة ومن بعدها. وقيل: من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء. و ﴿مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ ظرفان بنيا على الضم؛ لأنهما تعرفا بحذف ما أضيفا إليهما وصارا متضمنين ما حذف فخالفا تعريف الأسماء وأشبها الحروف في التضمين فبنِيا، وخصا بالضم لشبههما بالمنادى المفرد في أنه إذا نكر وأضيف زال بناؤه، وكذلك هما فضما. ويقال: ﴿مِنْ قبلِ وَمِن بعدِ﴾. وحكى الكسائي عن بعض بني أسد ﴿لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ الأول مخفوض منون، والثاني مضموم بلا تنوين. وحكى الفراء "من قبل ومن بعد" مخفوضين بغير تنوين. وأنكره النحاس ورده. وقال الفراء في كتابه: في القرآن أشياء كثيرة، الغلط فيها بين، منها أنه زعم أنه يجوز ﴿مِنْ قبلِ وَمِن بعدِ﴾ وإنما يجوز ﴿مِنْ قبلِ وَمِن بعدِ﴾ على أنهما نكرتان. قال الزجاج: المعنى من متقدم ومن متأخر. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ تقدم ذكره. ﴿يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ﴾ يعني من أوليائه؛ لأن نصره مختص بغلبة أوليائه لأعدائه، فأما غلبة أعدائه لأوليائه فليس بنصره، وإنما هو ابتلاء وقد يسمى ظفرا. ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ في نقمته ﴿الرَّحِيمُ﴾ لأهل طاعته.
الآية: [٦] ﴿وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾
الآية: [٧] ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾
قوله تعالى: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ لأن كلامه صدق. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ وهم الكفار وهم أكثر. وقيل: المراد مشركو مكة. وانتصب ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ على المصدر؛ أي وعد ذلك وعدا. ثم بين تعالى مقدار ما يعلمون فقال :﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يعني أمر معايشهم ودنياهم: متى يزرعون ومتى يحصدون، وكيف يغرسون وكيف يبنون؛ قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة. وقال الضحاك: هو بنيان قصورها، وتشقيق أنهارها وغرس أشجارها؛ والمعنى واحد. وقيل: هو ما تلقيه الشياطين إليهم من أمور الدنيا


الصفحة التالية
Icon