قال ابن الأنباري: ﴿فَتْحاً مُبِيناً﴾ غير تام، لأن قوله: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ﴾ متعلق بالفتح. كأنه قال: إنا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجمع الله لك مع الفتح المغفرة، فيجمع الله لك به ما تقر به عينك في الدنيا والآخرة. وقال أبو حاتم السجستاني: هي لام القسم. وهذا خطأ، لأن لام القسم لا تكسر ولا ينصب بها، ولو جاز هذا لجاز: ليقوم زيد، بتأويل ليقومن زيد. الزمخشري: فإن قلت كيف جعل فتح مكة علة للمغفرة؟ قلت: لم يجعل علة للمغفرة، ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة، وهي: المغفرة، وإتمام النعمة، وهداية الصراط المستقيم، والنصر العزيز. كأنه قال يسرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك ليجمع لك عز الدارين وأعراض العاجل والآجل. ويجوز أن يكون فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدو سببا للغفران والثواب. وفي الترمذي عن أنس قال: أنزلت على النبي ﷺ ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ مرجعه من الحديبية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على وجه الأرض" ثم قرأها النبي ﷺ عليهم، فقالوا: هنيئا مريئا يا وسول الله، لقد بين الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا، فنزلت عليه: ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ - حتى بلغ - فَوْزاً عَظِيماً﴾ قال حديث حسن صحيح. وفيه عن مجمع بن جارية. واختلف أهل التأويل في معنى ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ فقيل: ﴿مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ﴾ قبل الرسالة. ﴿وَمَا تَأَخَّرَ﴾ بعدها، قال مجاهد. ونحوه قال الطبري وسفيان الثوري، قال الطبري: هو راجع إلى قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ إلى قول ﴿تَوَّاباً﴾ [النصر: ١ - ٣]. ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ﴾ قبل الرسالة ﴿وَمَا تَأَخَّرَ﴾ إلى وقت نزول هذه الآية. وقال سفيان الثوري: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ﴾ ما عملته في الجاهلية من قبل أن يوحى إليك. ﴿وَمَا تَأَخَّرَ﴾ كل شيء لم تعمله، وقاله الواحدي. وقد مضى الكلام في جريان الصغائر على الأنبياء في سورة "البقرة"، فهذا قول. وقيل: