خلوة ثلاثة يسرون شيئا ويتناجون به. والسرار ما كان بين اثنين. ﴿إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ يعلم ويسمع نجواهم، يدل عليه آفتتاح الآية بالعلم ثم ختمها بالعلم. وقيل: النجوى من النجوة وهي ما ارتفع من الأرض، فالمتناجيان يتناجيان ويخلوان بسرهما كخلو المرتفع من الأرض عما يتصل به، والمعنى: أن سمع الله محيط بكل كلام، وقد سمع الله مجادلة المرأة التي ظاهر منها زوجها. ﴿وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ﴾ قرأ سلام ويعقوب وأبو العالية ونصر وعيسى بالرفع على موضع ﴿مِنْ نَجْوَى﴾ قبل دخول ﴿مِنْ﴾ لأن تقديره ما يكون نجوى، و"ثلاثة" يجوز أن يكون مرفوعا على محل ﴿لا﴾ مع ﴿أَدْنَى﴾ كقولك: لا حول ولا قوة إلا بالله بفتح الحول ورفع القوة. ويجوز أن يكونا مرفوعين على الابتداء، كقولك لا حول ولا قوة إلا بالله. وقد مضى في ﴿البقرة﴾ بيان هذا مستوفى وقرأ الزهري وعكرمة ﴿أكبر﴾ بالباء. والعامة بالثاء وفتح الراء على اللفظ وموضعها جر. وقال الفراء في قوله: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ﴾ قال: المعنى غير مصمود والعدد غير مقصود لأنه تعالى إنما قصد وهو أعلم أنه مع كل عدد قل أو كثر، يعلم ما يقولون سرا وجهرا ولا تخفى عليه خافية، فمن أجل ذلك آكتفى بذكر بعض العدد دون بعض. وقيل: معنى ذلك أن الله معهم بعلمه حيث كانوا من غير زوال ولا انتقال. ونزل ذلك في قوم من المنافقين كانوا فعلوا شيئا سرا فأعلم الله أنه لا يخفي عليه ذلك، قال ابن عباس. وقال قتادة ومجاهد: نزلت في اليهود. ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ﴾ يخبرهم ﴿مَا عَمِلُوا﴾ من حسن وسيء ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
الآية: [٨] ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾