بشيء آخر، والعرب تقول: لا ذهب، أي لم يذهب، فحرف النفي ينفي الماضي كما ينفي المستقبل؛ ومنه قول زهير:
فلا هو أبداها ولم يتقدم
قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ أي كذب بالقرآن وتولى عن الإيمان ﴿ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى﴾ أي يتبختر، افتخارا بذلك؛ قال مجاهد وغيره. مجاهد: المراد به أبو جهل. وقيل: "يتمطى" من المطا وهو الظهر، والمعنى يلوي مطاه. وقيل: أصله يتمطط، وهو التمدد من التكسل والتثاقل، فهو يتثاقل عن الداعي إلى الحق؛ فأبدل من الطاء ياء كراهة التضعيف، والتمطي يدل على قلة الاكتراث، وهو التمدد، كأنه يمد ظهره ويلويه من التبختر. والمطيطة الماء الخاثر في أسفل الحوض؛ لأنه يتمطى أي يتمدد؛ وفي الخبر: (إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم كان بأسهم بينهم". والمطيطاء: التبختر ومد اليدين في المشي.
قوله تعالى: ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾ تهديد بعد تهديد، ووعيد بعد وعيد، أي فهو وعيد أربعة لأربعة؛ كما روي أنها نزلت في أبي جهل الجاهل بربه فقال: "فلا صدق ولا صلى. ولكن كذب وتولى" أي لا صدق رسول الله، ولا وقف بين يدي فصلى، ولكن، كذب رسولي، وتولى عن التصلية بين يدي. فترك التصديق خصلة، والتكذيب خصلة، وترك الصلاة خصلة، والتولي عن الله تعالى خصلة؛ فجاء الوعيد أربعة مقابلة لترك الخصال الأربعة. والله أعلم. لا يقال: فإن قوله: ﴿ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى﴾ خصلة خامسة؛ فإنا نقول: تلك كانت عادته قبل التكذيب والتولي، فأخبر عنها. وذلك بين في قول قتادة على ما نذكره. وقيل: إن رسول الله ﷺ خرج من المسجد ذات يوم، فاستقبله أبو جهل على باب المسجد، مما يلي باب بني مخزوم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم


الصفحة التالية
Icon