الثانية: روى ابن عمر قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر. خرجه مسلم وغيره. وخرجه البخاري عن أنس قال: قال عمر: وافقت الله في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث... الحديث، وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده فقال: حدثنا حماد بن سلمة حدثنا علي بن زيد عن أنس بن مالك قال قال عمر: وافقت ربي في أربع، قلت يا رسول الله: لو صليت خلف المقام؟ فنزلت هذه الآية: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً﴾ وقلت: يا رسول الله، لو ضربت على نسائك الحجاب فإنه يدخل عليهن البر والفاجر؟ فأنزل الله: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣]، ونزلت هذه الآية: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢]، فلما نزلت قلت أنا: تبارك الله أحسن الخالقين، فنزلت: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤]، ودخلت على أزواج النبي ﷺ فقلت: لتنتهن أو ليبدلنه الله بأزواج خير منكن، فنزلت الآية: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ﴾ [التحريم: ٥].
قلت: ليس في هذه الرواية ذكر للأسارى، فتكون موافقة عمر في خمس.
الثالثة: قوله تعالى: ﴿مِنْ مَقَامِ﴾ المقام في اللغة: موضع القدمين. قال النحاس: "مقام" من قام يقوم، ويكون مصدرا واسما للموضع. ومقام من أقام، فأما قول زهير:

وفيهم مقامات حسان وجوههم وأندية ينتابها القول والفعل
فمعناه: فيهم أهل مقامات. واختلف في تعيين المقام على أقوال، أصحها - أنه الحجر الذي تعرفه الناس اليوم الذي يصلون عنده ركعتي طواف القدوم. وهذا قول جابر بن عبدالله وابن عباس وقتادة وغيرهم. وفي صحيح مسلم من حديث جابر الطويل أن النبي ﷺ لما رأى البيت استلم الركن فرمل ثلاثا، ومشى أربعا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً﴾ فصلى ركعتين قرأ فيهما بـ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص] و ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ [الكافرون]. وهذا يدل على أن ركعتي الطواف وغيرهما من الصلوات


الصفحة التالية
Icon