هذا مثل قوله تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩]، وهناك يأتي الكلام في الشهداء وأحكامهم، إن شاء الله تعالى.
وإذا كان الله تعالى يحييهم بعد الموت ليرزقهم - على ما يأتي - فيجوز أن يحيي الكفار ليعذبهم، ويكون فيه دليل على عذاب القبر. والشهداء أحياء كما قال الله تعالى، وليس معناه أنهم سيحيون، إذ لو كان كذلك لم يكن بين الشهداء وبين غيرهم فرق إذ كل أحد سيحيا. ويدل على هذا قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ﴾ والمؤمنون يشعرون أنهم سيحيون. وارتفع "أموات" على إضمار مبتدأ، وكذلك "بل أحياء" أي هم أموات وهم أحياء، ولا يصح إعمال القول فيه لأنه ليس بينه وبينه تناسب، كما يصح في قولك: قلت كلاما وحجة.
الآية: ١٥٥ ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾
قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ هذه الواو مفتوحة عند سيبويه لالتقاء الساكنين. وقال غيره: لما ضمت إلى النون الثقيلة بني الفعل فصار بمنزلة خمسة عشر. والبلاء يكون حسنا ويكون سيئا. وأصله المحنة، وقد تقدم. والمعنى لنمتحننكم لنعلم المجاهد والصابر علم معاينة حتى يقع عليه الجزاء، كما تقدم. وقيل: إنما ابتلوا بهذا ليكون آية لمن بعدهم فيعلموا أنهم إنما صبروا على هذا حين وضح لهم الحق. وقيل: أعلمهم بهذا ليكونوا على يقين منه أنه يصيبهم، فيوطنوا أنفسهم عليه فيكونوا أبعد لهم من الجزع، وفيه تعجيل ثواب الله تعالى على العز وتوطين النفس
قوله تعالى: ﴿بِشَيْءٍ﴾ لفظ مفرد ومعناه الجمع. وقرأ الضحاك "بأشياء" على الجمع. وقرأ الجمهور بالتوحيد، أي بشيء من هذا وشيء من هذا، فاكتفى بالأول إيجازا ﴿مِنَ الْخَوْفِ﴾ أي خوف العدو والفزع في القتال، قاله ابن عباس. وقال الشافعي: هو خوف