فيه خمس مسائل:
الأولى- قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً﴾ هذا إخبار عن النصارى في قولهم: المسيح ابن الله. وقيل عن اليهود في قولهم: عزير ابن الله. وقيل عن كفرة العرب في قولهم: الملائكة بنات الله. وقد جاء مثل هذه الأخبار عن الجهلة الكفار في "مريم] و[الأنبياء].
الثانية- قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ﴾ الآية. خرج البخاري عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: "قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن اتخذ صاحبة أو ولدا".
الثالثة- "سبحان" منصوب على المصدر، ومعناه التبرئة والتنزيه والمحاشاة، من قولهم: اتخذ الله ولدا، بل هو الله تعالى واحد في ذاته، أحد في صفاته، لم يلد فيحتاج إلى صاحبة، ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٠١] ولم يولد فيكون مسبوقا، جل وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا. ﴿بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ "ما" رفع بالابتداء والخبر في المجرور، أي كل ذلك له ملك بالإيجاد والاختراع. والقائل بأنه اتخذ ولدا داخل في جملة السموات والأرض. وقد تقدم أن معنى سبحان الله: براءة الله من السوء.
الرابعة- لا يكون الولد إلا من جنس الوالد، فكيف يكون للحق سبحانه أن يتخذ ولدا من مخلوقاته وهو لا يشبهه شيء، وقد قال: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً﴾ [مريم: ٩٣]، كما قال هنا: ﴿بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ فالولدية تقتضي الجنسية والحدوث، والقدم يقتضي الوحدانية والثبوت، فهو سبحانه القديم الأزلي الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. ثم إن البنوة تنافي الرق والعبودية. - على ما يأتي بيانه في سورة "مريم" إن شاء الله تعالى - فكيف يكون ولد عبدا هذا محال، وما أدى إلى المحال محال.