قال علماؤنا: "قضى" لفظ مشترك، يكون بمعنى الخلق، قال الله تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت: ١٢] أي خلقهن. ويكون بمعنى الإعلام، قال الله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ﴾ [الإسراء: ٤] أي أعلمنا. ويكون بمعنى الأمر، كقوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: ٢٣]. ويكون بمعنى الإلزام وإمضاء الأحكام، ومنه سمي الحاكم قاضيا. ويكون بمعنى توفية الحق، قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ﴾ [القصص: ٢٩]. ويكون بمعنى الإرادة، كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [غافر: ٦٨] أي إذا أراد خلق شيء. قال ابن عطية: "قضى" معناه قدر، وقد يجيء بمعنى أمضى، ويتجه في هذه الآية المعنيان على مذهب أهل السنة قدر في الأزل وأمضى فيه. وعلى مذهب المعتزلة أمضى عند الخلق والإيجاد.
الرابعة- قوله تعالى: ﴿أَمْراً﴾ الأمر واحد الأمور، وليس بمصدر أمر يأمر. قال علماؤنا: والأمر في القرآن يتصرف على أربعة عشر وجها:
الأول: الدين، قال الله تعالى: ﴿حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٤٨] يعني دين الله الإسلام.
الثاني: القول، ومنه قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا﴾ يعني قولنا، وقوله: ﴿ فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ [طه: ٦٢] يعني قولهم.
الثالث- العذاب، ومنه قوله تعالى: ﴿لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ﴾ [إبراهيم: ٢٢] يعني لما وجب العذاب بأهل النار.
الرابع: عيسى عليه السلام، قال الله تعالى: ﴿قَضَى أَمْراً﴾ [آل عمران: ٤٧] يعني عيسى، وكان في علمه أن يكون من غير أب.
الخامس: القتل ببدر، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ [غافر: ٧٨] يعني القتل ببدر، وقوله تعالى: ﴿لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾ [الأنفال: ٤٢] يعني قتل كفار مكة.
السادس: فتح مكة، قال الله تعالى: ﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [التوبة: ٢٤] يعني فتح مكة.


الصفحة التالية
Icon