الأوثان من العرب وغيرهم - وهم الذين ليس لهم كتاب - منفكين. قال القشيري: وفيه بعد؛ لأن الظاهر من ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ. رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ﴾ أن هذا الرسول هو محمد صلى اللّه عليه وسلم. فيبعد أن يقال: لم يكن الذين كفروا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم منفكين حتى يأتيهم محمد؛ إلا أن يقال: أراد: لم يكن الذين كفروا الآن بمحمد - وإن كانوا من قبل معظمين له، بمنتهين عن هذا الكفر، إلى أن يبعث اللّه محمدا إليهم ويبين لهم الآيات؛ فحينئذ يؤمن قوم. وقرأ الأعمش وإبراهيم ﴿والمشركون﴾ رفعا، عطفا على ﴿الذين﴾. والقراءة الأولى أبين؛ لأن الرفع يصير فيه الصنفان كأنهم من غير أهل الكتاب. وفي حرف أبيّ: ﴿فما كان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركون منفكين﴾. وفي مصحف ابن مسعود: ﴿لم يكن المشركون وأهل الكتاب منفكين﴾. وقد تقدم. ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ قيل حتى أتتهم. والبينة: محمد صلى اللّه عليه وسلم.
قوله تعالى: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ﴾ أي بعيث من اللّه جل ثناؤه. قال الزجاج: ﴿رَسُولٌ﴾ رفع على البدل من ﴿الْبَيِّنَةُ﴾. وقال الفراء: أي هي رسول من اللّه، أو هو رسول من اللّه؛ لأن البينة قد تذكر فيقال: بينتي فلان. وفي حرف أبيّ وابن مسعود ﴿رسول﴾ بالنصب على القطع. ﴿يَتْلُو﴾ أي يقرأ. يقال: تلا يتلو تلاوة ﴿صُحُفاً﴾ جمع صحيفة، وهي ظرف المكتوب. ﴿مُطَهَّرَةً﴾ قال ابن عباس: من الزور، والشك، والنفاق، والضلالة. وقال قتادة: من الباطل. وقيل: من الكذب، والشبهات. والكفر؛ والمعنى واحد. أي يقرأ ما تتضمن الصحف من المكتوب؛ ويدل عليه أنه كان يتلو عن ظهر قلبه، لا عن كتاب؛ لأنه كان أميا، لا يكتب ولا يقرأ. و ﴿مُطَهَّرَةً﴾ : من نعت الصحف؛ وهو كقوله تعالى: ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ. مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ﴾، فالمطهرة نعت للصحف في الظاهر، وهي نعت لما في الصحف من القرآن. وقيل: ﴿مُطَهَّرَةً﴾ أي ينبغي ألا يمسها إلا المطهرون؛ كما قال في سورة "الواقعة" حسب ما تقدم بيانه. وقيل: الصحف المطهرة: هي التي عند اللّه في أم الكتاب، الذي منه نسخ ما أنزل على الأنبياء