قمط قماطا، وشد رباطا، يكابد الضيق والتعب، ثم يكابد الارتضاع، ولو فاته لضاع، ثم يكابد نبت أسنانه، وتحرك لسانه، ثم يكابد الفطام، الذي هو أشد من اللطام، ثم يكابد الختان، والأوجاع والأحزان، ثم يكابد المعلم وصولته، والمؤدب وسياسته، والأستاذ وهيبته، ثم يكابد شغل التزويج والتعجيل فيه، ثم يكابد شغل الأولاد، والخدم والأجناد، ثم يكابد شغل الدور، وبناء القصور، ثم الكبر والهرم، وضعف الركبة والقدم، في مصائب يكثر تعدادها، ونوائب يطول إيرادها، من صداع الرأس، ووجع الأضراس، ورمد العين، وغم الدين، ووجع السن، وألم الأذن. ويكابد محنا في المال والنفس، مثل الضرب والحبس، ولا يمضى عليه يوم إلا يقاسي فيه شدة، ولا يكابد إلا مشقة، ثم الموت بعد ذلك كله، ثم مساءلة الملك، وضغطة القبر وظلمته؛ ثم البعث والعرض على الله، إلى أن يستقر به القرار، إما في الجنة وإما في النار؛ قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ فلو كان الأمر إليه لما اختار هذه الشدائد. ودل هذا على أن له خالقا دبره، وقضى عليه بهذه الأحوال؛ فليمتثل أمره. وقال ابن زيد: الإنسان هنا آدم. وقوله: ﴿فِي كَبَدٍ﴾ أي في وسط السماء. وقال الكلبي: إن هذا نزل في رجل من بني جمح؛ كان يقال ل أبو الأشدين، وكان يأخذ الأديم العكاظي فيجعله تحت قدميه، فيقول: من أزالني عنه فله كذا. فيجذبه عشرة حتى يتمزق ولا تزول قدماه؛ وكان من أعداء النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه نزل ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾ يعني: لقوته. وروي عن ابن عباس. "في كبد" أي شديدا، يعني شديد الخلق؛ وكان من أشد رجال قريش. وكذلك ركانة ابن هشام بن عبدالمطلب، وكان مثلا في البأس والشدة. وقيل: ﴿فِي كَبَدٍ﴾ أي جريء القلب، غليظ الكبد، مع ضعف خلقته، ومهانة مادته. ابن عطاء: في ظلمة وجهل. الترمذي: مضيعا ما يعنيه، مشتغلا بما لا يعنيه.