ألا يتطوعوا إلا بمختار جيد. والآية تعم الوجهين، لكن صاحب الزكاة تعلق بأنها مأمور بها والأمر على الوجوب، وبأنه نهى عن الرديء وذلك مخصوص بالفرض، وأما التطوع فكما للمرء أن يتطوع بالقليل فكذلك له أن يتطوع بنازل في القدر، ودرهم خير من تمرة. تمسك أصحاب الندب بأن لفظة افْعَلْ صالح للندب صلاحيته للفرض، والرديء منهي عنه في النقل كما هو منهي عنه في الفرض، والله أحق من اختير له. وروى البراء أن رجلا علق قِنْوَ حَشَف، فرآه رسول الله ﷺ فقال: " بئسما علق" فنزلت الآية، خرجه الترمذي وسيأتي بكماله. والأمر على هذا القول على الندب، ندبوا إلى ألا يتطوعوا إلا بجيد مختار. وجمهور المتأولين قالوا: معنى ﴿ من طيبات﴾ من جيد ومختار ﴿ ما كسبتم﴾. وقال ابن زيد: من حلال ﴿ما كسبتم﴾.
الثانية: - الكسب يكون بتعب بدن وهي الإجارة وسيأتي حكمها، أو مقاولة في تجارة وهو البيع وسيأتي بيانه. والميراث داخل في هذا، لأن غير الوارث قد كسبه. قال سهل بن عبدالله: وسئل ابن المبارك عن الرجل يريد أن يكتسب وينوي باكتسابه أن يصل به الرحم وأن يجاهد ويعمل الخيرات ويدخل في آفات الكسب لهذا الشأن. قال: إن كان معه قوام من العيش بمقدار ما يكف نفسه عن الناس فترك هذا أفضل، لأنه إذا طلب حلالا وأنفق في حلال سئل عنه وعن وكسبه وعن إنفاقه، وترك ذلك زهد فإن الزهد في ترك الحلال.
الثالثة: - قال ابن خويز منداد: ولهذه الآية جاز للوالد أن يأكل من كسب ولده، وذلك أن النبي ﷺ قال: "أولادكم من طيب أكسابكم فكلوا من أموال أولادكم هنيئا".
الرابعة: - قوله تعالى: ﴿ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ﴾ يعني النبات والمعادن والركاز، وهذه أبواب ثلاثة تضمنتها هذه الآية. أما النبات فروى الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها قالت: جرت السنة من رسول الله ﷺ " ليس فيما دون خمسة