العاشرة: - قوله تعالى: ﴿إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ كذا قراءة الجمهور، من أغمض الرجل في أمر كذا إذا تساهل فيه ورضي ببعض حقه وتجاوز، ومن ذلك قول الطرماح:
لم يفتنا بالوتر قوم وللذ | ل أناس يرضون بالإغماض |
وقد يحتمل أن يكون منتزعا إما من تغميض العين، لأن الذي يريد الصبر على مكروه يغمض عينيه - قال:
إلى كم وكم أشياء منك تريبني | أغمض عنها لست عنها بذي عمى |
وهذا كالإغضاء عند المكروه. وقد ذكر النقاش هذا المعنى في هذه الآية - وأشار إليه مكي - وإما من قول العرب: أغمض الرجل إذا أتى غامضا من الأمر، كما تقول: أعمن أي أتى عمان، وأعرق أي أتى العراق، وأنجد وأغور أي أتى نجدا والغور الذي هو تهامة، أي فهو يطلب التأويل على أخذه. وقرأ الزهري بفتح التاء وكسر الميم مخففا، وعنه أيضا. "تغمضوا" بضم التاء وفتح الغين وكسر الميم وشدها. فالأولى على معنى تهضموا سومها من البائع منكم فيحطكم. والثانية، وهى قراءة قتادة فيما ذكر النحاس، أي تأخذوا بنقصان. وقال أبو عمرو الداني: معنى قراءتي الزهري حتى تأخذوا بنقصان. وحكى مكي عن الحسن "إلا أن تغمضوا" مشددة الميم مفتوحة. وقرأ قتادة أيضا "تغمضوا" بضم التاء وسكون الغين وفتح الميم مخففا. قال أبو عمرو الداني: معناه إلا أن يغمض لكم، وحكاه النحاس عن قتادة نفسه. وقال ابن جني: معناها توجدوا قد غمضتم في الأمر بتأولكم أو بتساهلكم وجريتم على غير السابق إلى النفوس. وهذا كما تقول: أحمدت الرجل وجدته محمودا، إلى غير ذلك من الأمثلة. قال ابن عطية: وقراءة الجمهور تخرج على التجاوز وعلى تغميض العين، لأن أغمض بمنزلة غمض. وعلى أنها بمعنى حتى تأتوا غامضا من التأويل والنظر في أخذ ذلك، إما لكونه حراما على قول ابن زيد، وإما لكونه مهدى أو مأخوذا في دين على قول غيره.