لأن العقوبة تجب على قدر النعمة؛ ألا ترى أن الله تعالى قال لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ فلما كانت نعمتهن أكثر جعل عقوبتهن أشد، وكذلك الإماء لما كانت نعمتهن أقل فعقوبتهن أقل. وذكر في الآية حد الإماء خاصة، ولم يذكر حد العبيد؛ ولكن حد العبيد والإماء سواء؛ خمسون جلدة في الزنى، وفي القذف وشرب الخمر أربعون؛ لأن حد الأمة إنما نقص لنقصان الرق فدخل الذكور من العبيد في ذلك بعلة المملوكية، كما دخل الإماء تحت قوله عليه السلام: "من أعتق شركا له في عبد". وهذا الذي يسميه العلماء القياس في معنى الأصل؛ ومنه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾. فدخل في ذلك المحصنين قطعا؛ على ما يأتي بيانه في سورة "النور" إن شاء الله تعالى.
الموفية عشرين: وأجمع العلماء على أن بيع الأمة الزانية ليس بيعها بواجب لازم على ربها، وإن اختاروا له ذلك؛ لقوله عليه السلام: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليبعها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر". أخرجه مسلم عن أبي هريرة. وقال أهل الظاهر بوجوب بيعها في الرابعة. منهم داود وغيره؛ لقوله "فليبعها" وقوله: "ثم بيعوها ولو بضفير". قال ابن شهاب: فلا أدري بعد الثالثة أو الرابعة؛ والضفير الحبل. فإذا باعها بزناها؛ لأنه عيب فلا يحل أن يكتم. فإن يكتم. فإن قيل: إذا كان مقصود الحديث إبعاد الزانية ووجب على بائعها التعريف بزناها فلا ينبغي لأحد أن يشتريها؛ لأنها مما قد أمرنا بإبعادها. فالجواب أنها مال ولا تضاع؛ للنهي عن إضاعة المال، ولا تسيب؛ لأن ذلك إغراء لها بالزنى وتمكين منه، ولا تحبس دائما، فإن فيه تعطيل منفعتها على سيدها فلم يبق إلا بيعها. ولعل السيد الثاني يعفها بالوطء أو يبالغ في التحرز فيمنعها من ذلك. وعلى الجملة فعند تبدل الملاك تختلف عليها الأحوال. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon