لقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ وروى أبو داود عن صفوان بن أمية قال: كنت نائما في المسجد على خميصة لي ثمن ثلاثين درهما، فجاء رجل فاختلسها مني، فأخذ الرجل فأتى به النبي ﷺ فأمر به ليقطع، قال: فأتيته فقلت أتقطع من أجل ثلاثين درهما؟ أنا أبيعه وأنسئه ثمنها؛ قال: "فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به"؟. ومن جهة النظر أن الأموال خلقت مهيأة للانتفاع بها للخلق أجمعين، ثم الحكمة الأولية حكمت فيها بالاختصاص الذي هو الملك شرعا، وبغيت الأطماع متعلقة بها، والآمال محومة عليها؛ فتكفها المروءة والديانة في أقل الخلق، ويكفها الصون والحرز عن أكثرهم، فإذا أحرزها مالك فقد اجتمع فيها الصون والحرز الذي هو غاية الإمكان للإنسان؛ فإذا هتكا فحشت الجريمة فعظمت العقوبة، وإذا هتك أحد الصونين وهو الملك وجب الضمان والأدب.
الرابعة- فإذا اجتمع جماعة فاشتركوا في إخراج نصاب من حرزه، فلا يخلو، إما أن يكون بعضهم ممن يقدر على إخراجه، أولا إلا بتعاونهم، فإذا كان الأول فاختلف فيه علماؤنا على قولين: أحدهما يقطع فيه، والثاني لا يقطع فيه؛ وبه قال أبو حنيفة والشافعي؛ قالا: لا يقطع في السرقة المشتركون إلا بشرط أن يجب لكل واحد من حصته نصاب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا" وكل واحد من هؤلاء لم يسرق نصابا فلا قطع عليهم. ووجه القطع في إحدى الروايتين أن الاشتراك في الجناية لا يسقط عقوبتها كالاشتراك في القتل؛ قال ابن العربي: وما أقرب ما بينهما فإنا إنما قتلنا الجماعة بالواحد صيانة للدماء؛ لئلا يتعاون على سفكها الأعداء، فكذلك في الأموال مثله؛ لا سيما وقد ساعدنا الشافعي على أن الجماعة إذا اشتركوا في قطع يد رجل قطعوا ولا فرق بينهما. وإن كان الثاني وهو مما لا يمكن إخراجه إلا بالتعاون فإنه يقطع جميعهم بالاتفاق من العلماء؛ ذكره ابن العربي.


الصفحة التالية
Icon