صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}، ولهذا قال: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ ولم يقل يدهما. والمراد فاقطعوا يمينا من هذا ويمينا من هذا. ويجوز في اللغة؛ فاقطعوا يديهما وهو الأصل؛ وقد قال الشاعر فجمع بين اللغتين:

ومهمهمين قذفين مرتين ظهراهما مثل ظهور الترسين
وقيل: فعل هذا لأنه لا يشكل. وقال سيبويه: إذا كان مفردا قد يجمع إذا أردت به التثنية، وحكي عن العرب؛ وضعا رحالهما. ويريد به رحلي راحلتيهما؛ قال ابن العربي: وهذا بناء على أن اليمين وحدها هي التي تقطع وليس كذلك، بل تقطع الأيدي والأرجل، فيعود قول ﴿أيْدِيَهُمَا﴾ إلى أربعة وهي جمع في الاثنين، وهما تثنية فيأتي الكلام على فصاحته، ولو قال: فاقطعوا أيديهم لكان وجها؛ لأن السارق والسارقة لم يرد بهما شخصين خاصة، وإنما هما اسما جنس يعمان ما لا يحصى.
الخامسة والعشرون- قوله تعالى: ﴿جَزَاءً بِمَا كَسَبَا﴾ مفعول من أجله، وإن شئت كان مصدرا وكذا ﴿نَكَالاً مِنَ اللَّهِ﴾ يقال: نكلت به إذا فعلت به ما يوجب أن ينكل به عن ذلك الفعل ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ﴾ لا يغالب ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما يفعله؛ وقد تقدم.
السادسة والعشرون- قوله تعالى ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ﴾ شرط وجوابه ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ﴾ ﴿مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ﴾ من بعد السرقة؛ فإن الله يتجاوز عنه. والقطع لا يسقط بالتوبة. وقال عطاء وجماعة: يسقط بالتوبة قبل القدوة على السارق. وقال بعض الشافعية وعزاه إلى الشافعي قولا. وتعلقوا بقول الله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ وذلك استثناء من الوجوب، فوجب حمل جميع الحدود عليه. وقال علماؤنا: هذا بعينه دليلنا؛ لأن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حد المحارب قال: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ وعطف عليه حد السارق وقال فيه: ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ﴾ فلو كان مثله في الحكم ما غاير الحكم بينهما. قال ابن العربي: ويا معشر


الصفحة التالية
Icon