قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ قال عكرمة: إنما قال هذا فنحاص بن عازوراء، لعنه الله، وأصحابه، وكان لهم أموال فلما كفروا بمحمد ﷺ قال ذلك لهم؛ فقالوا: إن الله بخيل، ويد الله مقبوضة عنا في العطاء؛ فالآية خاصة في بعضهم. وقيل: لما قال قوم هذا ولم ينكر الباقون صاروا كأنهم بأجمعهم قالوا هذا. وقال الحسن: المعنى يد الله مقبوضة عن عذابنا. وقيل: إنهم لما رأوا النبي ﷺ في فقر وقلة مال وسمعوا ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ ورأوا النبي ﷺ قد كان يستعين بهم في الديات قالوا: إن إله محمد فقير، وربما قالوا: بخيل؛ وهذا معنى قولهم: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ فهذا على التمثيل كقوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ ويقال للبخيل: جعد الأنامل، ومقبوض الكف، وكز الأصابع، ومغلول اليد؛ قال الشاعر:
كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها | وكل باب من الخيرات مفتوح |
فاستبدلت بعده جعدا أنامله | كأنما وجهه بالخل منضوح |
واليد في كلام العرب تكون للجارحة كقوله تعالى:
﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً﴾ هذا محال على الله تعالى. وتكون للنعمة؛ تقول العرب: كم يد لي عند فلان، أي كم من نعمة لي قد أسديتها له، وتكون للقوة؛ قال الله عز وجل:
﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ﴾، أي ذا القوة وتكون يد الملك والقدرة؛ قال الله تعالى:
﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾. وتكون بمعنى الصلة، قال الله تعالى:
﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً﴾ أي مما عملنا نحن. وقال:
﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ أي الذي له عقدة النكاح. وتكون بمعنى التأييد والنصرة، ومن قوله عليه السلام: "يد الله مع القاضي حتى يقضي والقاسم حتى يقسم". وتدون لإضافة الفعل إلى المخبر عند تشريفا له وتكريما؛ قال الله تعالى:
﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ فلا يجوز أن يحمل على الجارحة؛ لأن الباري جل وتعالى واحد لا يجوز عليه التبعيض، ولا على القوة والملك