بيانها؛ فنزلت هذه الآية رافعة لتلك الأوهام الخيالية، والآراء الفاسدة الباطلة. واختلف في معنى ﴿ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ ﴾ والبهيمة اسم لكل ذي أربع؛ سميت بذلك لإبهامها من جهة نقص نطقها وفهمها وعدم تمييزها وعقلها؛ ومنه باب مبهم أي مغلق، وليل بهيم، وبهمة للشجاع الذي لا يدرى من أين يؤتى له. و ﴿ الأَنْعَامِ ﴾ : الإبل والبقر والغنم، سميت بذلك للين مشيها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ ﴾ وقال تعالى: ﴿ وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً ﴾ يعني كبارا وصغارا؛ ثم بينها فقال: ﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ إلى قوله: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ ﴾ وقال تعالى: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا ﴾ يعني الغنم ﴿ وَأَوْبَارِهَا ﴾ يعني الإبل ﴿ وَأَشْعَارِهَا ﴾ يعني المعز؛ فهذه ثلاثة أدلة تنبئ عن تضمن اسم الأنعام لهذه الأجناس؛ الإبل والبقر والغنم؛ وهو قول ابن عباس والحسن. قال الهروي: وإذا قيل النعم فهو الإبل خاصة. وقال الطبري: وقال قوم ﴿ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ ﴾ وحشيها كالظباء وبقر الوحش والحمر وغير ذلك. وذكره غير الطبري والربيع وقتادة والضحاك، كأنه قال: أحلت لكم الأنعام، فأضيف الجنس إلى أخص منه. قال ابن عطية: وهذا قول حسن؛ وذلك أن الأنعام هي الثمانية الأزواج، وما أنضاف إليها من سائر الحيوان يقال له أنعام بمجموعه معها، وكأن المفترس كالأسد وكل ذي ناب خارج عن حد الأنعام؛ فبهيمة الأنعام هي الراعي من ذوات الأربع.
قلت: فعلى هذا يدخل فيها ذوات الحوافر لأنها راعية غير مفترسة وليس كذلك؛ لأن الله تعالى قال: ﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ ﴾ ثم عطف عليها قوله: ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ ﴾ فلما استأنف ذكرها وعطفها على الأنعام دل على أنها ليست منها؛ والله أعلم. وقيل: ﴿ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ ﴾ ما لم يكن صيدا؛ لأن الصيد يسمى وحشا لا بهيمة، وهذا راجع إلى القول الأول. وروي عن عبدالله بن عمر أنه قال: ﴿ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ ﴾ الأجنة التي تخرج عند الذبح من بطون الأمهات؛ فهي تؤكل دون ذكاة، وقاله ابن عباس وفيه بعد؛