الثانية: قوله تعالى: ﴿وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ من غيره. والهاء تعود على الرب سبحانه، والمعنى: لا تعبدوا معه غيره، ولا تتخذوا من عدل عن دين الله وليا. وكل من رضي مذهبا فأهل ذلك المذهب أولياؤه. وروي عن مالك بن دينار أنه قرأ ﴿وَلا تبتغوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ أي ولا تطلبوا. ولم ينصرف ﴿أَوْلِيَاءَ﴾ لأن فيه ألف التأنيث. وقيل: تعود على ﴿مَا﴾ من قوله: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾. ﴿قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾ ﴿مَا﴾ زائدة. وقيل: تكون مع الفعل مصدرا.
الآيتان: ٤ - ٥ ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ، فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾
قوله تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ ﴿كَمْ﴾ للتكثير؛ كما أن ﴿رُبّ﴾ للتقليل. وهي في موضع رفع بالابتداء، و﴿أَهْلَكْنَا﴾الخبر. أي وكثير من القرى - وهي مواضع اجتماع الناس - أهلكناها. ويجوز النصب بإضمار فعل بعدها، ولا يقدر قبلها؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. ويقوي الأول قوله: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ ولو لا اشتغال﴿أَهْلَكْنَا﴾بالضمير لانتصب به موضع ﴿كَمْ﴾. ويجوز أن يكون﴿أَهْلَكْنَا﴾صفة للقرية، و﴿كَمْ﴾ في المعنى هي القرية؛ فإذا وصفت القرية فكأنك قد وصفت كم. يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً﴾ [النجم: ٢٦] فعاد الضمير على ﴿كَمْ﴾. على المعنى؛ إذ كانت الملائكة في المعنى. فلا يصح على هذا التقدير أن يكون ﴿كَمْ﴾ في موضع نصب بإضمار فعل بعدها. ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا﴾فيه إشكال للعطف بالفاء. فقال الفراء: الفاء بمعنى الواو، فلا يلزم الترتيب. وقيل: أي وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا؛ كقوله: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: ٩٨]. وقيل: إن