وقال: ﴿فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ﴾ [النساء: ١٧٥]. وفي صحيح مسلم: "لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته منه وفضل". وفي غير الصحيح: ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل؛ فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها، فقيل لهم: هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله. ثم يقال: يأهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون؛ فتقسم بين أهل الجنة منازلهم.
قلت: وفي صحيح مسلم: "لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه في النار يهوديا أو نصرانيا". فهذا أيضا ميراث؛ نعم بفضله من شاء وعذب بعدله من شاء. وبالجملة فالجنة ومنازلها لا تنال إلا برحمته؛ فإذا دخلوها بأعمالهم فقد ورثوها برحمته، ودخلوها برحمته؛ إذ أعمالهم رحمة منه لهم وتفضل عليهم. وقرئ ﴿أُورِثْتُمُوهَا﴾من غير إدغام. وقرئ بإدغام التاء في الثاء.
الآية: ٤٤ ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾
قوله تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ هذا سؤال تقريع وتعيير. ﴿أَنْ قَدْ وَجَدْنَا﴾ مثل ﴿أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ﴾ أي أنه قد وجدنا. وقيل: هو نفس النداء. ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ﴾ أي نادى وصوت؛ يعني من الملائكة. ﴿بَيْنَهُمْ﴾ ظرف؛ كما تقول: أعلم وسطهم. وقرأ الأعمش والكسائي: ﴿نَعِم﴾ بكسر العين وتجوز على هذه اللغة بإسكان العين. قال مكي: من قال ﴿نعِم﴾ بكسر العين أراد أن يفرق بين ﴿نَعَم﴾ التي هي جواب وبين ﴿نعم﴾ التي هي اسم للإبل والبقر والغنم. وقد روي عن عمر إنكار ﴿نَعم﴾ بفتح العين في الجواب، وقال: قل


الصفحة التالية
Icon