فالخلق المخلوق، والأمر كلامه الذي هو غير مخلوق وهو قوله: ﴿كُنْ﴾. ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢]. وفي تفرقته بين الخلق والأمر دليل بين على فساد قول من قال بخلق القرآن؛ إذ لو كان كلامه الذي هو أمر مخلوقا لكان قد قال: ألا له الخلق والخلق. وذلك عي من الكلام ومستهجن ومستغث. والله يتعالى عن التكلم بما لا فائدة فيه. ويدل عليه قوله سبحانه. ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾ [الروم: ٢٥]. ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ﴾ [الأعراف: ٥٤]. فأخبر سبحانه أن المخلوقات قائمة بأمره؛ فلو كان الأمر مخلوقا لافتقر إلى أمر آخر يقوم به، وذلك الأمر إلى أمر آخر إلى ما لا نهاية له. وذلك محال. فثبت أن أمره الذي هو كلامه قديم أزلي غير مخلوق؛ ليصح قيام المخلوقات به. ويدل عليه أيضا قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الحجر: ٨٥]. وأخبر تعالى أنه خلقهما بالحق، يعني القول وهو قوله للمكونات: ﴿كُنْ﴾. فلو كان الحق مخلوقا لما صح أن يخلق به المخلوقات؛ لأن الخلق لا يخلق بالمخلوق. يدل عليه ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات: ١٧١]. ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١]. ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي﴾ [السجدة: ١٣]. وهذا كله إشارة إلى السبق في القول في القدم، وذلك يوجب الأزل في الوجود. وهذه النكتة كافية في الرد عليهم. ولهم آيات احتجوا بها على مذهبهم، مثل قوله تعالى: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ [الأنبياء: ٢] الآية. ومثل قوله تعالى: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً﴾ [الأحزاب: ٣٨]. و﴿مَفْعُولاً﴾ [المزمل: ١٨] وما كان مثله. قال القاضي أبو بكر: معنى ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ﴾ أي من وعظ من النبي ﷺ ووعد وتخويف ﴿إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ ؛ لأن وعظ الرسل صلوات الله عليهم وسلامه وتحذيرهم ذكر. قال الله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ [الغاشية: ٢١]. ويقال: فلان في مجلس الذكر. ومعنى ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً﴾ و ﴿مَفْعُولاً﴾ أراد سبحانه