صفحة رقم ٩٦
جوابهم هذا، هل هو على طريق الاستفهام أو على طريق الإيجاب ؟ على وجهين :
أحدهما : أنهم قالوه استفهماً واستخباراً حين قال لهم : إني جاعلٌ في الأرض خليفة، فقالوا : يا ربنا أَعْلِمْنَا، أجاعل أنت في الأرض من يُفْسِدُ فيها ويسفك الدماء ؟ فأجابهم : إني أعلم ما لا تعلمون، ولم يخبرهم.
والثاني : أنه إيجاب، وإن خرجت الألف مَخْرج الاستفهام، كما قال جرير :
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايا
وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بُطُونَ رَاحِ
وعلى هذا الوجه في جوابهم بذلك قولان :
أحدهما : أنهم قالوه ظناً وتوهُّماً، لأنهم رأوا الجن من قبلهم، قد أفسدوا في الأرض، وسفكوا الدماء، فتصوروا أنه إن استخلف استخلف في الأرض مَنْ يُفْسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدماء.
وفي جوابهم بهذا وجهان :
أحدهما : أنهم قالوه استعظاماً لفعلهم، أي كيف يفسدون فيها، ويسفكون الدماء، وقد أنعمت عليهم واستخلفتهم فيها فقال : إني أعلم ما لا تعلمون.
والثاني : أنهم قالوه تعجباً من استخلافه لهم أي كيف تستخلفهم في الأرض وقد علمت أنهم يفسدون فيها ويسفكون الدماء فقال :) إني أعلم ما لا تعلمون (.
وقوله :) وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ( السفك صب الدم خاصةً دون غَيْرِهِ من الماء والمائع، والسفح مثله، إلا أنه مستعمل في كل مائع على وجه التضييع، ولذلك قالوا في الزنى : إنه سفاح لتضييع مائه فيه.
قوله عز وجل :) وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (.
والتسبيح في كلامهم التنزيه من السوء على جهة التعظيم، ومنه قول أعشى بني ثعلبة :


الصفحة التالية
Icon