صفحة رقم ٣٤١
وبصر أهل مكة بالطير قد أقبلت من ناحية البحر، فقال عبد المطلب : إن هذه لطير غريبة بأرضنا، ما هي بنجدية ولا تهامية ولا حجازية، وإنها أشباه اليعاسيب، وكان في مناقيرها وأرجلها حجارة، فلما أطلت على القوم ألقتها عليهم حتى هلكوا، قال عطاء بن أبي رباح : جاءت الطير عشية فبانت، ثم صبحتهم بالغداة فرمتهم، وقال عطية العوفي : سألت عنها أبا سعيد الخدري : فقال : حمام مكة منها.
وأفلت من القوم أبرهة ورجع إلى اليمن فهلك في الطريق.
وقال الواقدي : أبرهة هو جد النجاشي الذي كان في زمان رسول الله ( ﷺ ) فلما أيقنوا بهلاك القوم، قال الشاعر :
أين المفر والإله الطالبْ
والأَشرمُ المغلوبُ ليس الغالبْ
يعني بالأشرم أبرهة، سمي بذلك لأن أرياط ضربه بحربة فشرم أنفة وجبينه، أي وقع بعضه على بعض.
وقال أبو الصلت بن مسعود، وقيل بل قاله عبد المطلب :
إنّ آياتِ ربِّنا ناطِقاتٌ
لا يُماري بهنّ إلا الكَفُور.
حَبَسَ الفيلَ بالمغّمس حتى
مَرَّ يعْوي كأنه مَعْقورُ.
) ألمْ يَجْعَلْ كَيْدَهم في تَضْليل ( لأنهم أرادوا كيد قريش بالقتل والسبي، وكيد البيت بالتخريب والهدم. يحكى عن عبد المطلب بعد ما حكيناه عنه أنه أخذ بحلقة الباب وقال :
يا رب لا نرجو لهم سواكا يا رب فامنع منهم حماكا.
إن عدو البيت من عاداكا امنعهم أن يخربوا قراكا.
ثم إن عبد المطلب بعث ابنه عبد الله على فرس له سريع، ينظر ما لقوا فإذا القوم مشدخون، فرجع يركض كاشفاً عن فخده، فلما رأى ذلك أبوه قال : إن ابني أفرس العرب وما كشف عن فخذه إلا بشيراً أو نذيراً. فلما دنا من ناديهم بحيث يُسمعهم قالوا : ما وراءك ؟ قال : هلكوا جميعاً، فخرج عبد المطلب وأصحابه فأخذوا أموالهم، فكانت أموال بني عبد المطلب، وبها كانت رياسة عبد المطلب لأنه احتمل