ولما كان الرب المنعوت بالرحمة قد لايكون مالكاً وكانت الربوبية لا تتم إلا بالمِلك المفيد للعزة المقرون بالهيبة المثمرة للبطش والقهر المنتج لنفذ الأمر اتبع ذلك بقوله :﴿مالك يوم الدين﴾ ترهبياًمن سطوات مجده.
قال الحرالّي : واليوم مقدار ما يتم فيه أمر ظاهر، ثم قال : و﴿يوم الدين﴾ في الظاهر هو يوم الحشر إلى خلود فالأبد، وهوفي الحقيقة تسقط دعوى المدعين، وهو من أول يوم الحشر إلى الخلود فا لأبد، وهو في الحقيقة من أول يوم نفوذ الجزاء عند مقارنة الذنب في باطن العامل أثر العمل إلى أشد انهائه في ظاهره، لأن الجزاء لا يتاخر عن الذنب وإنما يخفى لوقوعه في الباطن وتأخره عن معرفة ظهور في الظاهر، ولذلك يؤثر عنه عليه الصلاة والسلام :"إن العبد إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء" وأيضا ًفكل عقاب يقع في الدنيا على أيدي الخلق فإنما هو
١٤
جزاء من الله وإن كان أصحاب الغفلة ينسبونه للعوائد، كما قالوا :﴿مس آباءنا الضراء والسراء﴾ [الأعراف : ٩٥] ويضفونه للمعتدين عليهم بزعمهم، وإنما هو كمال قال تعالى :﴿وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم﴾ [الشورى : ٣٠] كما وردعنه عليه الصلاة والسلام :"الحمى من قيح جهنم، وإن شدة الحر والقر من نفسها" وهي سوط الجزاء الذي أهل الدنيا بأجمعهم مضربون به، ومنهل االتجهّم الذي أجمعهم واردوه من حيث لايشعر به أكثرهم، قال عليه الصلاة والسلام :"المرض سوط الله في الأرض يؤدب به عبادة" وكذلك ما يصيبهم من عذاب النفس بنوعالغم والهم والقلق والحرص وغير ذلك، وهو تعالى بمقتضى ذلك كله مِلك يوم الدين ومالكه يوم الدين ومالكه مطلقاًفي الدنيا والآخرة وإلى الملك أنهى الحق تعالى تنزل أمره العلي لأن به رجع الأمر عوداًعلى بدء بالجزاء العائد على آثار ما جبلوا عليه من الأوصاف تظهر عليهم من الأفعال كما قال تعالى :﴿وسيجزيهم وصفهم﴾ [الأنعام : ١٩٣] و﴿جزاء بما كانوا يعملون﴾ [السجدة : ١٧].