ثم أكد سبحانه وتعالى الإخبار بأن ذلك لن يكون إلا بإنعامه منبهاًبهذا التأكيد الذي أفاده الإبدال على عظمة هذا الطريق فقال :﴿صراط الذين أنعمت عليهم﴾ فأشار إلى أن الاعتصام به في اتباع رسله، ولما كان سبحانه عام النعمة لكل موجود عدواًكان أو ولياً، وان حذف المنعم به لإرادة التعميم من باب تقليل اللفظ لتكثير المعنى فكان من المعلوم أن محط السؤال بعض أهل دمشق، علم أن المنفى غير داخل في الأول لأن شرطه أن يتبعاه متعاطفه كما صرحوا به، بخلاف ما لو قيل : اتبع طريق أهل مصر غير الظلمة، فإن يعلم أن الظلوة منهم، فأريد هنا التعريف بأن النعمة عامة ولو لم تكن إلا با لإيجاد ومن العلوم أن السلوك لا بد وان يصادف طريق بعضهم وهم منعم عليهم فلا يفيد السؤال حينئذ، فعرف أن المسؤول إنما هو طريق أهل النعمة بصفة الرحيمية تشوقت النفوس إلى معرفتهم فميزهم ببيان أضدادهم تحذيراًمنهم، فعرف أنهم قسمان : قسم أريد للشقاوة فعاند في إخلاله بالعمل فاستوجب الغضب، وقسم لم يرد للسعادة فضل من جهة إخلاله بالعلم فصار إلى العطب فقال مخوفاًبعد الترجية ليكمل الإيمان بالرجاء والخوف معرفاً بأن النعمة عامة والمراد منها ما يخص أهل الكرامة :﴿غير الغضوب عليهم﴾ أى الذين تعاملهم معاملة الضبان لمن وقع عليه غضبه، وتعرفت " غير " لتكون صفة للذين بإضافتها إلى الضد فكان مثل : الحركة غير السكون، ولما كان المقصود من " غير " النفي لأن السياق له ةأنما عبر بها دون أداة اشتثناء دلالة على بناء الكلام بادءى بدء على إخراج المتلبس بالصفة وصوناً للكلام عن إفهام أن ما يعد أقل ودون لا ﴿ولا الضالين﴾ فعلم مقدار النعمة على القسم الأول وأنه لا نجاة إل باتباعهم وأن من حاد عن سبيلهم عامداًأو مخطئاًشقي ليشمّر أولو الجد عن ساق العزم وساعد الجهد في اقتفاء آثارهم للفوز بحسن جوارهم في سيرهم وقرارهم.
١٨