ولما فرغ من المثل كشف المراد بظلماتهم بأنها ما في آذانهم من الثقل المانع من الانتفاع بالسماع، وما في ألسنتهم من الخرس عن كلام الخير الناشىء عن عدم الإدراك الناشىء عن عمى البصائر وفساد الضمائر والسرائر، وما على أبصارهم من الغشاوة المانعة من الاعتبار وعلى بصارئهم من الأغطية المنافية للادّكار فقال :﴿صم﴾ أي عن السماع النافع ﴿بكم﴾ عن النطق المفيد لأن قلوبهم مختوم عليها فلاينبعث منها خير تقذفة إلى الألسنة ﴿عمي﴾ في البصر والبصيرة عن الإبصارالمرشد لما تقدم من الختم على مشاعرهم، ولما مان في اكن في مقام إجابة الداعي إلي إلى الإيمان قدم السمع لأنه العمدة في
٤٨
ذلك وثنى بالقول لأنه يمكن الأصم الإفصاح عن المراد، وختم بالبصر لإمكان الاهتداء به بالإشارة ؛ وكذا ما يأتي في هذه السورة سواء بخلاف ما في الإسراء ﴿فهم﴾ أي فتسبب عن ذلك أنهم ﴿لا﴾ ولما كان المراد التعميم في كل رجوع لم يذكر المرجوع عنه فقال :﴿يرجعون﴾ أي عن طغيانهم وضلالهم إلى الهدى الذي باعوه ولا إلى حالهم الذي كانوا عليه ولا ينتقلون عن حالهم الذي عليه ولا ينتقلون عن حالهم هذا أصلاً، لأنهم كمن هذا حاله ومن هذا حاله لا يقدر على مفارقة موضعه بتقدم ولاتأخر.
﴿أو﴾ مثلهم في سماع القرىن الذي فيه التشابه والوعيد والوعد ﴿كصيب﴾ أي أصحاب صيب أى مطر عظيم، وقال الحرالي : سحاب ممطر دارّثم اتبعه تحقيقاًلأن المراد الحقيقة قوله :﴿من السماء﴾ وهو كما قال الحرالي ما علا فوق الرأس، يعني هذا أصلة والمراد هنا معروف، ومثل القرآن بهذا لمواترة نزوله وعلوه وإحيائه القلوب كما أن الصيب يحي الأرض، ثم أخبر عن حاله بقوله :﴿فيه ظلمات﴾ أي لكثافة السحاب واسوداده ﴿ورعد﴾ أي صوت مرعب يرعد سماعه ﴿وبرق﴾ أي نورمبهت للمعانه وسرعته ـ قال الحرالي، والظلمات مثل مالم يفهموه، والرعد ما ما ينادي عليهم بالفضيحة والتهديد والبرق ما لم يلوح لهم معناه ويداخلهم رأي في استحسانه.


الصفحة التالية
Icon