ولما تم مثل القرآن استأنف الخبر عن حال اممثل لهم والممثل بهم حقيقة ومجازاً فقال :﴿يجعلون أصابعهم﴾ أي بعضها ولو قدروا لحشوا الكل لشدة خوفهم ﴿في أذانهم من الصواعق﴾ أي من أجل قوتها، لأن هولها يكاد أن يصم، وقال الحرالي : جمع صاعقة وهو الصوت الذي يميت سامعه أو يكاد، ثم علل هذا بقوله :﴿حذر الموت والله﴾ أي والحال أن المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿محيط بالكافرين﴾ فلا يغنيهم من قدره حذر، وأظهر موضع الإضمار لإعراضهم عن القرآن وسترهم لأنواره.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٧
ثم استأنف الحديث عن بقية حالهم فقال :﴿يكاد البرق﴾ أي من قوة لمعه وشعاعه وشدة حركته وإسراعه ﴿يخطف أبصارهم﴾ فهم يغضونها عند لمعه وخفضه في ترائبه ورفعه، ولما كان من المعلوم أن البرق ينقضي لمعانه بسرعة كان كأنه قيل : ماذا يصنعون عند ذلك ؟ فقال :﴿كلما﴾ وعبر بها دون إذا دلالة على شدة حرصهم على
٤٩
إيجاد المشي عند الإضاءة ﴿أضاء لهم مشوا فيه﴾ مبادرين إلى ذلك حراصاًعليه لا يقترون عنه في وقت من أوقات الإضاءة مع أنهم يغضون أبصارهم ولا يمدونها غاية المد خوفاًعليهم ووقوفاًمع الأسباب ووثوقاًبها واعتماداًعليها وغفلة عن رب الأرباب، وهو مثل لما وجدوامن القرآن موافقاًلآرائهم، وعطف بإذن لتحقق خفوته بعد خفوته قوله :﴿وإذا أظلم عليهم قاموا﴾ أي أول حين الإظلام لايقدرون على التقدم خطوة واحده إشارة إلى أنه ليست لهم بصائر بها فيما كشف البرق لأبصارهم من الأرض قبل الإظلام بل حال انقطاع اللمعان يقفون لعمى بصائرهم ووحشتهم وجنبهم وغربتهم وشدة جزعهم وحيرتهم، وهكذا حال هؤلاء لا يقسمون ما أشكل عليهم من القرآن على ما فهموه.


الصفحة التالية
Icon