ورجائهم النقطع بأصحاب الصيب لابمثلهم ؛ فتقدير الأولمثلهم في انهم سمعواأولاً الدعاء ورأوا الآيات فأخابوا الداعي إما بالفعل كالنافقين وإما بالقوة في أيام الصبا لما عندهم من سلامةالفطر وصحة النظر، ثم تلذذوا فرجعوا بقلوبهم من نور ما قالوه بألسنتهم من كلمة التقوى نطقاًأو تقديراًإلى ظلمات الكفر، فلم ينفعهم سمع ولا بصر وعقل، فصاروا مثل البهائم التي لاتطيع الراعي إلا بلجزر البليغ، مثلهم في هذا يشبه مثل المستوقد في أنه لما اضاءت ناره رأى ما حوله، فلما ذهبت لم يقدر على تقدم ولا تأخر، لأنه لا ينفع في ذلك سمع ولا كلام فإذن استوى وجودهما وعدمهما، فصار عادماًللثلاثة، فكان من هذه الجهة مساوياً للأصم الأبكم الأعمى، فهو مثله لكونه لا يقدر على مراده إلا أن قادة قائد حسي، فهو حينئذ مثل الهائم التي لا تقاد للمراد إلا بقائد، فاستوىالمثلان وسيتضح ذلك قوله تعالى ﴿كمثل الذي ينعق﴾ [البقرة : ١٧١] ولذلك كانت النتيجة في كل منها صم ـ إلى آخره و" أو " بمعنى الواو، ولعله عبر بها دونها لأنه وإن كان كل من المثلين صالحاً لكل من القسمين فإن احتمال التفصيل غير بعيد، لأن الأول أطهر في الأول والثاني في الثاني وجعل الحرالي المثلين للمنافقين فقال : ضرب لهم مثلين لما كان لهم حالان وللقرآن عليهم تنزلان، منه ما يرغبون فيه لما فييه من مصلحة دنياهم، فضرب لهم المثل الأول، وقدمه لأنه سبب دخولهم مع الذين آمنوا لما رظاوا من معالجة عقاب الذين كفروا في الدنيا ؛ ومنه ما يرهبونه ولا يستطيعون سماعه لما يتضمنه من أمور شاقة عليهم لا يحملها إلا مؤمن حقاًولا يتحملها إلا من أمن، ولما يلزم منه من فضيحة خداعهم فضرب له المثل الثاني ؛ فلن يخرج حالهم عند نزول نجوم القرآن عن مقتضى هذين المثلين ـاتهى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٧