ولما بهذا البيان عما للكافرين بقسميهم من الشقاوة مع تمام القرة شمول العلم المستلزم مان للواحدانية أنتج قطعاً إفراده بالعباده الموجبه للساعده المضمنه لإياك نعبد، فوصل بذلك قوله مقبلاًعليهم بعد الإعراض عنهم عند التقسيم إيذاك بأنهم صاروا بما تقدم من ضرب الأمثال وغيرها من حيز المتأهل للخطاب من غير واسطة تنشيطاًلهم في عبادته وترغيباًوتحريكاًإلى رفع أنفسهم بإقبال الملك الأعظم عن الخضوع لمن هو دونه بل دونهم وبشارة لمن أقبل عليه بعد أن كان معرضاًعنه بدوام الترقيه، فيزال ما أشار إليه حرف النداء والتعبير.
عن المنادى من بقية البعد بالسهو الغفلة والإعراض بالتقصير في العبادة ولاضطراب والذبذبة ﴿ياأيها الناس﴾ قال الحرالي في تفسيره ﴿يا﴾ تنبيه من يكون بمسمع من المنبه ليقبل على الخطاب، وهو تنبيه في ذات نفس المخاطب ويفهم توسط البعد بين آيا الممدودة وأي المقصورة " أيّ " اسم مبهم، مدلوله اختصاص ما وقع عليه من مقتضى اسم شامل، " ها "
٥٣
كلمة مدلولها تنبيه على أمر يستفيده المنبه - انتهى.
وأكد سبحانه الكلام بالإبهام والتنبيه والتوضيح بتعيين المقصود بالنداء تنبيهاً على أن ما يأتي بعده أمور مهمة يحق لها تشمير الذيول والقيام على ساق الجد.
وقال الحرالي : اعلم أنه كما اشتمل على القرآن كله فاتحة الكتاب فكذلك أيضاً جعل لكل سورة ترجمة جامعة تحتوي على جميع مثاني آيها، وخاتمة تلتئم وتنتظم بترجمتها، ولذلك تترجم السورة عدة سور، وسيقع التنبيه على ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
واعلم مع ذلك أن كل نبئ منبأ - يقرأ بالهمز - من النبأ وهو الخبر، فإنه شرع في دعوته وهو غير عالم بطية أمره وخبر قومه، وأن الله عز وجل جعل نبيه محمداً ﷺ نبياً منبياً من النبوة - يقرأ بغير همز.


الصفحة التالية
Icon