السماء والأرض وأن كل شيء ليس الثقلين فقط يعمه القسم بين الجنة والنار كما عمه القسم بين الخبيث والطيب ؛ وإنما اقتصر في مبدأ عقيدة الإيمان على الإيمان ببعث الثقلين وجزائهم تيسيراً واستفتاحاً، وما سوى ذلك فمن زيادة الإيمان وتكامله كما قال :﴿ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم﴾ [الفتح : ٤] ومن العلماء من وقف بإيمانه على بعث الثقلين وجزائهما، حتى أن منهم من ينكر جزاء ما سواهما ويتكلف تأويل مثل قوله عليه السلام :"يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء" انتهى.
ولما تم ذلك وكان ﴿الناس﴾ عاماً للكافر وغيره كان كأنه قيل : هذه النار لمن ؟ فقيل :﴿أعدت﴾ أي هيئت وأكملت قبل زمن استعمالها وتقاد للمجهول لأن المشتكي إذا جهل فاعله كان أنكأ ﴿للكافرين﴾ فبين أنها موجودة مهيأة لهم ولكل من اتصف بوصفهم وهو ستر ما ظهر من آيات الله.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦١
قال الحرالي : وهي عدة الملك الديان لهم بمنزلة سيف الملك من ملوك الدنيا - انتهى.
ولما ذكر ما لهم ترهيباً اتبعه ما للمؤمنين ترغيباً فقال صارفاً وجه الخطاب بالرحمة إلى نبي الرحمة ﷺ عاطفاً على ما تقديره : فأنذرهم بذلك، ولكنه طواه لأن السياق للاستعطاف ﴿وبشر﴾ والبشرى قال الحرالي إظهار غيب المسرة بالقول :﴿الذين آمنوا﴾ أي صدقوا الرسل ﴿وعملوا﴾ قال الحرالي : من العمل وهو فعل بُني على علم أو زعمه ﴿الصالحات﴾ من الأقوال والأفعال، قال الحرالي : جمع صالحة، وهو العمل المتحفظ به من مداخل الخلل فيه، وإذا كانت البشرى لهؤلاء فالمؤمنون أحق بما فوق البشرى، وإنما يبشر من يكون على خطر، والمؤمن مطمئن فكيف بما فوق ذلك من رتبة الإحسان إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وما لا يناله علم نفس ولا خطر على قلب بشر.