وقال الحرالي : ولما كان ضرب المثل متعلقاً بمثل وممثل كان الضرب واقعاً عليهما، فكان لذلك متعدياً إلى مفعولين : مثلاً ما وبعوضة، والبعوض جنس معروف من أدنى الحيوان الطائر مقداراً وفيه استقلال وتمام خلقة، يشعر به معنى البعض الذي منه لفظه، لأن البعض يوجد فيه جميع أجزاء الكل فهو بذلك كل، ﴿فما فوقها﴾ أي من معنى يكون أظهر منها، والفاء تدل على ارتباط ما إما تعقيب واتصال أو تسبيب، ففيه هنا إعلام بأقرب ما يليه على الاتصال والتدريج إلى أنهى ما يكون - انتهى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٤
والمعنى أن ذلك إن اعتبر بالنسبة غليه سبحانه كان هو وأنتم وغيركم بمنزلة واحدة في الحقارة، وإن اعتبر بالنسبة إليكم كان الفريقان بمنزلة واحدة في أنه خلق حقير ضعيف صغير من تراب، وأما شرف بعضه على بعض فإنما كان بتشريف الله له ولو شاء لعكس الحال.
ثم ذكر شأن قسمي المؤمنين والكافرين بقسمي كل منهم في قبول أمثاله فقال مؤكداً بالتقسيم لأن حال كل من القسمين حال المنكر لما وقع للآخر :﴿فأما﴾، قال الحرالي : كأنها مركبة من " إن " دالة على باطن ذات و" ما " دالة على ظاهر مبهم، يؤتى به
٧٦
للتقسيم - انتهى.
﴿الذين آمنوا﴾ أي بما ذكرنا أول السورة، ولما تضمن أما معنى الشرط كما فسره سيبويه بمهما يكن من شيء أجيب بالفاء في قوله :﴿فيعلمون أنه﴾ أي ضرب المثل ﴿الحق﴾ كائناً ﴿من ربهم﴾ أي المحسن إليهم بجميع أنواع الإحسان، وأنه ما أراد بهم إلا تربيتهم بالإحسان بضربه على عوائد فضله، وأما أمثال غيره فإن لم يكن فيها نوع من الباطل فلا بد فيها من ضرب من التسمُّح تكون به غير جديرة باسم الحق ولا عريقة فيه.