المقصود مما قبله على عادة القرآن في الترقي من العالي إلى الأعلى فساق سبحانه ابتداء الخلق الذي هو من أعظم الأدلة على وحدانيته مساق الإنعام على عباده بما فيه من منافعهم ليكون داعياً إلى توحيده من وجهين : كونه دالاً على عظمة مؤثرة وكمال قدرته، وكونه إحساناً إلى عباده ولطفاً بهم، وقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها فقال :﴿هو﴾، قال الحرالي : وهي كلمة مدلولها العلي غيب الإلهية القائم بكل شيء الذي لا يظهر لشيء، فذاته أبداً غيب، وظاهره الأسماء المظهرة من علو إحاطة اسم الله إلى تنزل اسم الملك، فما بينهما من الأسماء المظهرة، ثم قال : لما انتهى الخطاب بذكر إرجاعهم إلى الله وكان هذا خطاباً خاصاً مع المتمادي على كفره اتبع عند إعراضه وإدباره بهذا الحتم تهديداً رمى به بين أكتافهم وتسبيباً نيط بهم ومُدّ لهم كالمرخى له في السبب الذي يراد أن يجذب به، إما بأن يتداركه لطف فيرجع عليه طوعاً، أو يراد به قسراً عند انتهاء مدى إدباره، وانتظم به ختم آية الدعوة بنحو من ابتدائها، إلا أن هذه على نهاية الاقتطاع بين طرفيها وتلك على أظهر الاتساق ؛ فابعدوا في هذه كل البعد بإسناد الأمر إلى اسم هو الذي هو غيب اسم الله وأسند إليه خلق ما خلق لهم في الأرض الذي هو أظهر شيء للحس - انتهى.
﴿الذي خلق لكم﴾ ديناً ودنيا لطفاً بكم ﴿ما في الأرض﴾ أي بعد أن سواهن سبعاً، قال الحرالي : وقوله :﴿جميعاً﴾ إعلان بأن حاجة الإنسان لا تقوم بشيء دون شيء وإنما تقوم بكلية ما في الأرض حتى لو بطل منها شيء تداعى سائرها - انتهى.
والآية دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة، فلا يمنع شيء إلا بدليل.