ولما بين وظيفة الرسل، وقسم المرسل إليهم، أمره بنفي ما يتسبب عنه قولهم من أن البشر لا يكون رسولاً، واقتراحهم عليه الآيات من ظن قدرته على ما يريد، أو أن كل ما يقدر عليه يبديه لهم، أو إلزامه بذلك، منها لهم على وجه ظلمهم بغلظهم أو عنادهم فقال :﴿قل﴾ أي في جواب قولهم ﴿لولا أنزل عليه آية﴾ [يونس : ٢٠] ونحوه.
ولما لم يكن لهم عهد بأن بشراً يكون عنده الخزائن، يتصرف فيها بما يريد، وكان يأتيهم من الآيات من انشقاق القمر ومشي الشجر وكلام الضب والحجر ونبع الماء والحراسة بشواظ النار وفحل الجمال ونحو ذلك مما هو معلوم في دلائل النبوة بما ربما أوقع في ظنهم أن لازمه دعواه لأنه يملك الخزائن، فكانوا يقترحون عليه الآيات الدالة إلزاماً له بذلك لقصد التكذيب.
نفى ما ظنوا أنه يلزمه دعواه فقال :﴿لا أقول لكم﴾ أي الآن ولا فيما يستقبل من الزمان، ولما كان تعالى قد أعطاه مفاتيح خزائن الأرض، فأباها تواضعاً لله سبحانه، قيد بقوله " لكم " إفهاماً لما يخبر به المؤمنين من ذلك ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم، وأما الكفرة فإن إخبارهم بذلك مما يغريهم على الاقتراحات استهزاء فلا فائدة له ﴿عندي خزائن الله﴾ أي الملك الأعظم الذي له الغنى المطلق والعزة البالغة، فلا كفوء له أي فآتيكم ما تقترحون من الآيات وما تشتهونه من الكنوز وما تستهزئون به من العذاب، وإنما الخزائن بيده، يفعل فيها ما يشاء.


الصفحة التالية
Icon