ولما أمره بتوبيخهم، أمره - عاطفاً على قوله " قل " - بالإنذار على وجه مخز لهم أيضاً فقال :﴿وأنذر به﴾ أي بما يوحى إليك، وليس المراد تخصيص الإنذار بالخائف، بل الإشارة إلى جلافتهم وعظيم بلادتهم وكثافتهم في عدم تجويز الجائز الذي هو أهل لأن يخافه كل واحد بقوله :﴿الذين يخافون﴾ أي تجويزاً للجائز عقلاً وعادة.
ولما كان المرهوب الحشر نفسه، لا بقيد كونه من معين ؛ بني للمفعول قوله ﴿أن يحشروا﴾ أي يجمعوا وهم كارهون ﴿إلى ربهم﴾ أي المحسن إليهم بالإيجاد والتربية مع التقصير في الشكر، حال كونهم ﴿ليس لهم﴾ وأشار إلى تحقير ما سواه وسفوله بالجار فقال :﴿من دونه﴾ أي من المنزلة التي هي تحت منزلته، ومن المعلوم أن كل شيء تحت قهر عظمته ومتضائل عن رتبته، ليس لهم ذلك، أي على وجه الانفراد أو التوسل ﴿ولي﴾ يتولى أمورهم فينقذهم قهراً مما يخافون ﴿ولا شفيع﴾ ينقذهم بحسن سفارته وعظيم رتبته وترتيبه ﴿لعلهم يتقون *﴾ أي ليكون حالهم حال من يرجى أن يجعل بينه وبين عذاب الله وقاية.
ولما أمره بدعاء من أعرض عنه ومجاهرته، أمره بحفظ من تبعه وملاطفته، فقال :﴿ولا تطرد الذين يدعون﴾ وهم الفقراء من المسلمين ﴿ربهم﴾ أي المحسن إليه عكس ما عليه الكفار في دعاء من لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً ؛ ثم بين من حالهم من الملازمة ما يقتضي الإخلاص فقال :﴿بالغداة والعشي﴾ أي في طرفي النهار مطلقاً أو بصلاتيهما أو يكون كناية عن الدوام ؛ ثم أتبع ذلك نتيجته فقال معبراً عن الذات بالوجه، لأنه أشرف - على ما نتعارفه - وتذكّره يوجب التعظيم ويورث الخجل من التقصير :﴿يريدون وجهه﴾ أي لأنه لو كان رياء لاضمحل على طول الزمان وتناوب الحدثان باختلاف الشأن.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٤٢


الصفحة التالية
Icon