على الحجة دون التقليد.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٥٦
٦٥٩
ولما بصرهم قصور صغير الكواكب، رقي النظر إلى أكبر منه، فسبب عن الإعراض عن الكواكب لقصوره قولَه :﴿فلما رأى القمر بازغاً﴾ أي طالعاً أول طلوعه ؛ قال الأزهري : كأنه مأخوذ من البزغ الذي هو الشق، كأنه بنوره يشق الظلمة شقاً ﴿قال هذا ربي﴾ دأبَه في الأولى.
ولما كان تأمل أن الكوكب محل الحوادث بالأفول قد طرق أسماعهم فخالج صدورهم، قال :﴿فلما أفل قال﴾ مؤكداً عاية التأكيد ﴿لئن لم يهدني ربي﴾ أي الذي قدر على الإحسان إليّ بالإيجاد والتربية لكونه لا يتغير ولا شريك له بخلق الهداية في قلبي، فدل ذلك على أن الهداية ليست إلى غيره، ولا تحمل على نصب الأدلة، لأنها منصوبة قبل ذلك، ولا على معرفة الاستدلال فإنه عارف به ﴿لأكونن﴾ أي بعبادة غيره ﴿من القوم الضالين *﴾ فكانت هذه أشد من الأولى وأقرب إلى التصريح بنفي الربوبية عن الكواكب وإثبات أن الرب غيرها، مع الملاطفة وإبعاد الخصم عما يوجب عناده.
ولما كان قد نفي عن الأجرام السماوية ما ربما يضل به الخصم قال :﴿فلما رأى﴾ أي بعينه ﴿الشمس بازغة﴾ أي عند طلوع النهار وإشراق النور الذي ادعوا فيه ما ادعوا ﴿قال﴾ مبيناً لقصور ما هو أكبر من النور وهو ما عنه النور ﴿هذا﴾ مذكراً إشارتَه لوجود المسوغ، وهو تذكير الخبر إظهاراً لتعظيمها إبعاداً عن التهمة، وتنبيهاً من أول الأمر على أن المؤنث لا يصلح للربوبية ﴿ربي﴾ كما قال فيما مضى ؛ ثم علل ذلك بياناً للوجه الذي فارق فيه ما مضى فأورث شبهة، فقال :﴿هذا أكبر﴾ أي مما تقدم ﴿فلما أفلت﴾ أي غربت فخفي ظهورها وغلب نورها وهزمه جيش الظلام بقدرة الملك العلام ﴿قال يا قوم﴾ فصرح بأن الكلام لهم أجمعين، ونادى على رؤوس الأشهاد.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٥٩


الصفحة التالية
Icon