ولما كانت القلوب قد فرغت بما ألقي من هذا الكلام المعجب للحجة، وتهيأت لقبول الحق، ختم الآية بقوله :﴿إني بريء مما تشركون *﴾ أي من هذا وغيره من باب الأولى، فصرح بالمقصود لأنه لم يبق في المحسوس من العالم العلوي كوكب أكبر من الشمس ولا أنور، فلما أبطل بذلك جميع مذهبهم أظهر التوجه إلى الإله الحق، وأنه قد انكشف له الصواب بهذا النظر، والمراد هم، ولكن سوقه على هذا الوجه أدعى لقبولهم إياه، فقال مستنتجاً عما دل عليه الدليل العقلي في الملكوت :﴿إني وجهت وجهي﴾ أي أخلصت قصدي غير معرج على شيء أصلاً، فعبر بذلك عن الانقياد التام، لأن من انقاد لشيء أقبل عليه بوجهه، ودل على كماله وتفرده بالكمال مبدعاتُه، وعبر باللام دون إلى لئلا يوهم الحيز، فقال :﴿للذي فطر﴾ أي لأجل عبودية من شق وأخرج ﴿السماوات والأرض﴾ فختم الدليل بما افتتحت به السورة من قوله " الذي خلق السماوات والأرض
٦٦٠
" وأدل دليل عى ما تقدم - أني فسرت الحنف به من أنه الميل مع الدليل سهولة ولطافة على ما هو دأب الفطرة الأولى التي فطر الله الناس عليها - قولُه بعد نصب هذا الدليل :﴿حنيفاً﴾ أي سهلاً هيناً ليناً لطيفاً ميالاً مع الدليل غير كزّ جاف جامد على التقليد دأب الغليظ البليد، وأكد البراءة منهم بقوله :﴿وما أنا من المشركين﴾ أي منكم، ولكنه أظهر الوصف المقتضي للبراءة والتعميم، أي لا أعد في عدادكم بشيء أقاربكم به.
ولما أبدى هذه الأدلة في إبطال الضلال بالكواكب والشمس التي هي أوضح من الشمس، عطف عليها الإخبار بأنهم لم يرجعوا إليه بل حاجوه، فقال :﴿وحاجه قومه﴾ بأنهم لا ينفكون عن عبا تها لأنهم وجدوا آباءهم كذلك، وأنه إن لم يرجع عن الكلام فيها أصابته ببعض النوازل، وذلك من أعظم التسلية لهذا النبي العربي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم.


الصفحة التالية
Icon