ولما كان ربما أوهم تنكيرُه نقصاً فيه، قال مستأنفاً بياناً لكماله وتعظيماً لفضله وإفضاله :﴿ ذلك ﴾ أي الهدى العظيم الرتبة ﴿ هدى الله ﴾ أي المستجمع لصفات الكمال ﴿ يهدي ﴾ أي يخلق الهداية ﴿ به ﴾ أي بواسطة الإقامة عليه ﴿ من يشاء من عباده ﴾ أي سواء كان له أب يعمله أو كان له من يحمله على الضلال أولا ؛ ولما بين فضل الهدى ونص على رؤوس أهله، تهدد من تركه كائناً من كان، فقال مظهراً لعز الإلهية بالغنى المطلق منزهاً نفسه عما لوحظ فيه غيره ولو بأدنى لحظ :﴿ ولو أشركوا ﴾ أي هؤلاء الذين ذكرنا من مدحهم ما سمعتَ وبينّا من اختصاصنا لهم ما علمت - شيئاً من شرك وقد أعاذهم الله من ذلك، وأقام بهم معوج المسالك، وأنار بهم ظلام الأرض بطولها والعرض ﴿ لحبط عنهم ﴾ أي فسد وسقط ﴿ ما كانوا يعملون * ﴾ أي وإن كان في غاية الإتقان بقوانين العلم، وزاد في الترهيب من التواني في السير والزيغ عن سوء القصد بقوله :﴿ أولئك ﴾ أي العالو الرتبة الذين قدمنا ذكرهم وأخبرنا أنهم لو أشركوا سقطت أعمالهم ﴿ الذين آتيناهم ﴾ أي بعظمتنا ﴿ الكتاب ﴾ أي الجامع لكل خير، فمن ملك ما فيه من العلوم والمعارف حكم على البواطن، وذلك لأن الناس يحبونه فينقادون له ببواطنهم ﴿ والحكم ﴾ أي العمل المتقن بالعلم، ومنه نفوذ الكلمة على الظواهر بالسلطنة وإن كرهت البواطن ﴿ والنبوة ﴾ أي العلم المزين بالحكم وهي وضع كل شيء في أحق مواضعه، فهي جامعة للمرتبتين الماضيتين، فلذلك كان الأنبياء يحكمون على البواطن بما عندهم من العلم، وعلى الظواهر بما يظهر من المعجزات ؛ ثم سبب عن تعظيمها بذلك تعظيمَها بأنها لا تبور، فقال تسلية عن المصيبة بطعن الطاعنين فيها وإعراض الجاهلين عنها وترجية عندما يوجب اليأس من نفرة اكثر المدعوين :﴿ فإن يكفر بها ﴾ أي هذه الأشياء العظيمة ﴿ هؤلاء ﴾ أي أهل مكة الذين أنت بين أظهرهم، وقد حبوناهم بها على أتم وجه وأكمله وأعلاه وأجمله،


الصفحة التالية
Icon