ولما كان في قولهم " ما أنزل الله على بشر من شيء " صريح الكذب وتضمن تكذيبه - وحاشاه صلى الله عليه وسلم! أما من اليهود فبالفعل، وأما من قريش فبالرضى، وكان بعض الكفرة قد ادعى الإيحاء إلى نفسه إرادة للطعن في القرآن ؛ قال تعالى مهولاً لأمر الكذب لا سيما عليه لا سيما في أمر الوحي، عاطفاً على مقول طقل من أنزل " مبطلاً للتنبؤ بعد تصحيح أمر الرسالة وإثباتها إثباتاً لا مرية فيه، فكانت براهين إثباتها أدلة على إبطال التنبؤ وكذب مدعيه :﴿ومن أظلم ممن افترى﴾ أي بالفعل كاليهود والرضى كقريش ﴿على الله كذباً﴾ أي أيّ كذب كان، فضلاً عن إنكار الإنزال على البشر ﴿أو قال أوحي إليّ ولم﴾ أي والحال أنه لم ﴿يوح إليه شيء﴾ فهذا تهديد على سبيل الإجمال كعادة القرآن المجيد، يدخل فيه كل من اتصف بشيء من ذلك كمسيلمة والأسود العنسي وغيرهما، ثم رأيت في كتاب غاية المقصود في الرد عل النصارى واليهود للسموأل بن يحيى المغربي الذي كان من أجل علمائهم في حدود سنة ستين وخمسمائة، ثم هداه الله للإسلام، وكانت له يد طولى في الحساب والهندسة والطب وغير ذلك من العلوم، فأظهر بعد إسلامه فضائحَهم أن الربانيين منهم زعموا أن الله كان يوحي إلى جميعهم في كل يوم مرات، ثم قال بعد أن قسمهم إلى قرّائين وربانيين : إن الربانيين أكثرهم عدداً، وقال : وهم الذين يزعمون أن الله كان يخاطبهم في كل مسالة بالصواب، قال : وهذه الطائفة أشد اليهود عداوة لغيرهم من الأمم ﴿ومن قال سأنزل﴾ أي بوعد لا خلف فيه ﴿مثل ما أنزل الله﴾ كالنضر بن الحارث ونحوه ولما كان الجواب قطعاُ في كل منصف : لا أحد أظلم منه، بل هم أظلم الظالمين، كان كأنه قيل : فلو رايتهم وقد حاق بهم جزاء هذا الظلم كرد وجوههم مسودة وهم يسحبون في السلاسل على وجوههم، وجهنم تكاد تتميز عليهم غيظاً، وهم قد هدّهم الندم ولحسرة، وقطع بهم الأسف والحيرة لرأيت أمراً يهول منظره، فكيف يكون مذاقه ومخبره! فعطف عليه ما


الصفحة التالية
Icon