من الصوف المشتبك المبلول، لا يعسر عليهم تمييزها من الجسد، ولا يخفى عليهم شيء منها في شيء منه، قائلين ترويعاً لهم وتصويراً للعنف والشدة في السياق والإلحاح والتشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال، وأنهم يفعلون بهم فعل الغريم المسلط الملازم ﴿أخرجوا أنفسكم﴾ فكأنهم قالوا : لماذا يا رسل ربنا ؟ فقالوا :﴿اليوم﴾ أي هذه الساعة، وكأنهم عبروا به لتصوير طول العذاب ﴿تجزون عذاب الهون﴾ أي العذاب الجامع بين الإيلام العظيم والهوان الشديد ولخزي المديد بالنزع وسكرات الموت وما بعده في البرزخ - إلى ما لا نهاية له ﴿بما كنتم تقولون﴾ أي تجددون القول دائماً ﴿على الله﴾ أي الذي له جميع العظمة ﴿غير الحق﴾ أي غير القول المتمكن غاية التمكن في درجات الثبات، ولو قال بدله : باطلاً، لم يؤد هذا المعنى، ولو قال : الباطل، لقصر عن المعنى أكثر، وقد مضى في المائدة ما ينفع هنا، وإذا نظرت إلى أن السياق لأصول الدين ازداد المراد وضوحاً ﴿وكنتم﴾ أي وبما كنتم ﴿عن آياته تستكبرون *﴾ أي تطلبون الكبر للمجاوزة عنها، ومن استكبر عن آية واحدة كان مستكبراً عن الكل، أي لو رأيت ذلك لرأيت أمراً فظيعاً وحالاً هائلاً شنيعاً، وعبر بالمضارع تصويراً لحالهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٧٣


الصفحة التالية
Icon