ولما كانوا ينكرون أن يحس الميت شيئاً بعد الموت أو يفهم كلاماً، وكان التقدير كما دل عليه السياق : فتتوفاهم الملائكة، لا يقدر أحد على منعهم، فيقول لهم : قد رأيتم ملائكتنا الذين أخبرناكم أول السورة أنهم إذا أبصروا كان القضاء الفصل والأمر البت الحتم الذي ليس فيه مهل، عطف عليه قوله مشيراً إلى ما كان سبب استكبارهم من الاجتماع على الضلال والتقوى بالأموال :﴿ولقد جئتمونا﴾ أي ملا لنا من العظمة بالموت الذي هو دال على شمول علمنا وتمام قدرتنا قطعاً، ودل على تمام العظمة وأن المراد مجيئهم بالموت قوله :﴿فرادى﴾ أي متفرقين، ليس أحد منكم مع أحد، ومنفردين على كل شيء صدكم عن اتباع رسلنا ﴿كما خلقناكم﴾ أي بتلك العَظمة التي أمتناكم بها بعينها ﴿أول مرة﴾ في الانفراد والضعف والفقر، فأين جمعكم الذي كنتم به تستكبرون! ﴿وتركتم ما خولناكم﴾ أي ملكناكم من المال ومكناكم من إصلاحه نعمة
٦٧٥
عليكم لتتوصلوا به إلى رضانا، فظننتم أنه لكم بالأصالة، وأعرضتم عنا وبدلتم ما دل عليه من عظمتنا بضد ذلك من الاستهانة بأوامرنا ﴿وراء ظهوركم﴾ فما أغنى عنكم ما كنتم منه تستكبرون.
ولما كانوا يعدون الأصنام آلهة، ويرجون شفاعتها، إما استهزاء، وإما في الدنيا، وإما في الآخرة - على تقدير التسليم لصحة البعث، قال تهكماً بهم واستهزاء بشأنهم :﴿وما نرى معكم شفعاءكم﴾ أي التي كنتم تقولون فيها ما تقولون ﴿الذين زعمتم﴾ أي كذباً وجراءة وفجوراً ﴿أنهم فيكم شركاء﴾ أي أن لهم فيكم نصيباً مع الله حتى كنتم تعبدونهم في وقت الرخاء وتدعونه في وقت الشدة، أروناهم لعلهم سترهم عنا ساتر أو حجبنا عنهم حاجب ؛ ثم دل على بهتهم في جواب هذا الكلام الهائل المرعب حيرة وعجزاً ودهشاً وذلاً بقوله :﴿لقد تقطع﴾ أي تقطعاً كثيراً.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٧٥


الصفحة التالية
Icon