ولما ذكر وجوه الإبداع التفريعي من هذين الكونين وأسباب البقاء له بما ينشأ عنه الفصول وغيرها، أتبعه سببه القريب، وهو الماء الذي جعل منه كل شيء حي، فقال مفصلاً ما أجمله في الحب والنوى، سائقاً له مساق الإحسان لما قبله من الدلائل، فإن الدليل إذا كان على وجه الإحسان ومذكراً بالإنعام كان تأثيره في القلب عظيماً، فينبغي للمشتغل بدعوة الخلق أن يسلك هذا المسلك ليكون للقلوب أملك :﴿وهو﴾ أي لا غيره ﴿الذي أنزل﴾ أي بقدرته وعلمه وحكمته ﴿من السماء﴾ أي الحقيقية التي تعرفونها كما دل عليه صريح العبارة وما أشبهها من ذكور الحيوان المنبه عليه بطريق الإشارة ﴿ماء﴾ أي منهمراً ودافقاً.
٦٨٤
ولما كان تفريع الخلق من الماء بمكان من العظمة لا يوصل إليه، نبه عليه بالانقال إلى التكلم في مظهر العظمة فقال :﴿فأخرجنا﴾ أي على ما لنا من العظمة التي لا يدانيها أحد ﴿به﴾ أي الماء ﴿نبات كل شيء﴾ مختلفة طعومه وألوانه وروائحه وطبائعه ومنافعه وهو بماء واحد، فالسبب واحد والمسببات كثيرة منفتة، سواء كان ذلك النبات حقيقياً من النجم والشجر، أو مجازياً من الأنثى والذكر ؛ ثم سبب عن الحقيقي لظهوره قوله دالاً على العظمة :﴿فأخرجنا منه﴾ أي النبات ﴿خضراً﴾ أي شيئاً أخضر غضاً طرياً، وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة ؛ ثم زاد في بيان عظمته بقوله :﴿نخرج﴾ أي حال كوننا مقدرين أن نخرج ﴿منه﴾ أي من ذلك الخضر ﴿حباً متراكباً﴾ أي في السنبل يركب بعضه بعضاً ويحرسه من أن يلتقطه الطير بعد ستره بالقشر بحسك طويل لطيف جداً كالإبر خشن، بعد أن كان أصله حبة واحدة على صورتها، أو منفتة في التراب بعد أن طوّره سبحانه في عدة أطوار، إن فاعل ذلك لقادر مختار.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٨٤


الصفحة التالية
Icon