ولما كان المشركون على أصناف : منهم عدة أصنام، شركوا في العبودية لا في الخلق، ومنهم آزر الذي حاجه إبراهيم عليه السلام ومنهم عبدة الكواكب وهم فريقان : منهم من قال : هي واجبة الوجود، ومنهم من قال : ممكنة، خلقها الله وفوض إليها تدبير هذا العالم الأسفل، وهم الذين حاجهم الخليل عليه السلام بالأفول، ومنهم من قال : لهذا العالم كله إلهان : فاعل خير، وفاعل شر، وقالوا : إن الله وإبليس أخوان، فالله خالق الناس والدواب والأنعام، وإبليس خالق السباع والحيات والعقارب والشرور، ويلقبون الزنادقة وهم المجوس، لأن الكتاب الذي زعم زردشت أنه نزل من عند الله سمي بالزند، فالمنسوب إليه زندي، ثم عرب فقيل : زنديق، وكان هذا كله في قوله
٦٨٧
﴿فالق الإصباح﴾ شرحاً لآية ﴿إن الله فالق الحب والنوى﴾ دلالة على تمام القدرة الدالة على الوحدانية للدلالة على البعث ؛ حسن كل الحسن العود إلى تقبيح حال المشركين بالتعجيب منهم في جملة حالية من الضمير في ﴿فالق﴾ أو غيره مما تقدم، فقال تعالى شارحاً أمر هذا الصنف، لأن أمر غيرهم تقدم ؛ وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إن هذه الآية نزلت في الزنادقة :﴿وجعلوا﴾ أي هو سبحانه فعل هذا الذي لا يدع لبساً في تمام علمه وقدرته وكمال حكمته ووحدانيته والحال أن الذي فعل ذلك لأجلهم قد جعلوا وعبر بالاسم الأعظم وقدمه استعظاماً لأن يعدل به شيئاً ﴿لله﴾ أي الذي له جميع الأمر.
ولما كان الشرك في غاية الفظاعة والشناعة، قدمه فقال :﴿شركاء﴾ يعني وما كان ينبغي أن يكون له شريك مطلقاً، لأن الصفة إذا ذكرت مجردة غير مجراة على شيء كان ما يتعلق بها من النفي عاماً في كل ما يجوز أن يكون له الصفة، وحكم الإنكار حكم النفي.


الصفحة التالية
Icon