ولما أخبر أنهم لا يؤمنون عند آية مقترحة عمم على وجه مفصل لإجمال ما قبله فقال :﴿ولو أننا﴾ أي على عظمتنا البالغة بما أشار إليه جمع النونات ﴿نزلنا﴾ أي على وجه يليق بعظمتنا ﴿إليهم الملائكة﴾ أي كلهم فرأوهم عياناً ﴿وكلمهم الموتى﴾ أي كذلك ﴿وحشرنا عليهم﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿كل شيء قبلاً﴾ جمع قبيل جمع قبيلة في قراءة من ضم القاف والباء كرغيف ورغف، أي جاءهم ذلك المحشور كله قبيلة قبيلة تترى ومواجهة ﴿ما كانوا ليؤمنوا﴾ أي على حال من الأحوال ﴿إلا أن يشاء الله﴾ أي إلا حال مشيئته لإيمانهم لأنه الملك الأعلى الذي لا أمر لأحد معه، فإذن لا عبرة غلا بمشيئته، فالآية دامغة لأهل القدر، ولا مدخل لآية ولا غيرها في ذلك، فلا يطمع أحد في إيمانهم بغير ذلك، ويقرب عندي - وإن بعُد المدى - أن يكون ﴿وأقسموا﴾ معطوفاً على قوله تعالى ﴿وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه﴾ وهذا من المتعارف في كلام البلغاء أن يحكي الإنسان جملة من كلام خصمه، ثم يشرع في توهينها، ويخرج إلى أمور - يجرّها المقام - كثيرة الأنواع طويلة الذيول جداً، ثم يحكي جملة أخرى فيقول معجباً منه : وقال كذا وكذا، ثم يشرع فيما يتعلق بذلك من النقد والرد، ومما يؤيد ذلك توحيد ختمهما، فختم الأولى ﴿ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾ [الأنعام : ٣٧] وختم هذه ﴿ولكن أكثرهم يجهلون *﴾ أي أهل جهل مطبوعون فيه، يقسمون على الإيمان عند مجيء آية مقترحة ولا يشعرون أن المانع لهم من الإيمان إنما هو المشيئة وإلا لآمنوا بما جاءهم من الآيات، فإنه كفاية في المبادرة إلى الإيمان، والآيات كلها متساوية الأقدام في الدلالة على صدق الداعي بخرق العادة والعجز عن الإتيان بمثلها.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٩٥
ولما كان مضمون ما تقدم إثبات عداوة الكفار للنبي ﷺ، كان كأنه قيل تسلية له وتثبيتاً لفؤاده : فقد جعلناهم أعداء لك لأنك عالم، والجاهلون لأهل العلم أعداء


الصفحة التالية
Icon