٦٩٦
﴿وكذلك﴾ أي ومثل ما جعلنا لك أعداء من كفار الإنس والجن ﴿جعلنا لكل نبي﴾ أي ممن كان قبلك، وعبر عن الجمع بالمفرد - والمراد به الجنس - إشارة إلى أنهم يد واحدة في العداوة فقال :﴿عدواً﴾ وبين أن المراد به الجنس، وأنهم أهل الشر فقال مبدلاً :﴿شياطين﴾ أي أشرار ﴿الإنس والجن﴾ المتمردين منهم، وربما استعان شيطان الجن شيطان الإنس لقرب قلبه منه، أم يكون نوعه إليه أميل، وأشار إلى هوان أمرهم وسوء عاقبتهم بقوله :﴿يوحي بعضهم﴾ أي الشياطين من النوعين ﴿إلى بعض﴾ أي يكلمه في خفاء ﴿زخرف القول﴾ أي مزينه ومنمقه.
ولما كان هذا يدل على أنه - لكونه لا حقيقة له - لولا الزخرفة ما قيل، زاده بياناً بقوله :﴿غروراً﴾ أي لأجل أن يغروهم بذلك، أي يخدعوهم فيصيروا لقبولهم كلامهم كالغافلين الذين شأنهم عدم التحفظ، والغرور هو الذي يعتقد فيه النفع وليس بنافع.
ولما كان أول الآية معلماً أن هذا كان بمشيئة الله وجعله، أيد ذلك ومكنه في آخرها بأنه لو شاء ما كان، وكل ذلك غيرة على مقام الإلهية وتنزيهاً لصفة الربوبية أن يخرج شيء عنها فيدل على الوهن، ويجر قطعاً إلى اعتقاد العجز، فقال :﴿ولو شاء﴾ ولما كان في بيان أعدائه ﷺ والمسلطين عليه، أشار إلى أن ذلك لإكرامه وإعزازه، لا لهوانه، فقال ﴿ربك﴾ أي بما له إليك من حسن التربية وغزير الإحسان مع ما له من تمام العلم وشمول القدرة، أن لا يفعلوه ﴿ما فعلوه﴾ أي هذا الذي أنبأتك به من عداوتهم وما تفرع عليها.


الصفحة التالية
Icon