ولما كان أهل الكتاب يخفون ما عندهم من العلم، ويقولون للمشركين : إنهم أهدى سبيلاً، بما قد يوهم أنهم يعتقدون بطلانه، أو أن الأمر ملبس عليهم، سبب عن إخباره سبحانه قوله على طريق التهييج والإلهاب :﴿فلا تكونن﴾ أي انف نفياً مؤكداً جداً أن تكون في وقت ما ﴿من الممترين *﴾ أي العاملين عمل الشاك فيما أخبرناك به وإن زاد إخفاؤهم له وإظهارهم لما يوهم خلافه ؛ وإذا حاربتهم في ذلك وأنت أفطن الناس وأعرفهم بما يظهره المجاوزات من خفايا الأسرار - تحققت ما قلناه وإن اجتهدوا في الكتمان، كما كشفت عنه قصة المناشدة في أمر الزانيين وغيرها ؛ وقال أبو حيان : قال مشركو قريش لرسول الله ﷺ : اجعل بيننا وبينك حكماً من أحبار اليهود، وإن شئت من أساقفة النصارى، ليخبرناعنك بما في كتابهم من أمرك فنزل.
ولما دل على كونه حقاً من عند الله بعلم أهل الكتاب صريحاً وأهل اللسان تلويحاً، دل عليه بوجه آخر شهودي، وهو أنه ما قال شيئاً إلا كان على وفق ما قال، وأنه لم يستطع - ولا يستطيع أحد - منع شيء مما أخبر به ولا تعويقه ساعة من نهار ولا أقل ولا أكثر بقوله تعالى مظهراً في موضع الإضمار، لتذكيره ﷺ مبا له سبحانه من الإحسان، والتنبيه على ما يريد به من التشريف والإكرام :﴿وتمت﴾ أي نفذت وتحققت ﴿كلمة ربك﴾ أي المحسن إليك المدبر لأمرك حال كونها ﴿صدقاً﴾ أي لا يقدر أحد أن يبدي في شيء منها حيثاً بتخلف ما عن مطابقة الواقع.
ولما كان الصدق غير مناف للجور، قال :﴿وعدلاً﴾ ولما كان الصدق العدل قد
٦٩٩


الصفحة التالية
Icon