لا يتم معه مراد القائل، ولا ينفذ فيه كلام الآمر لمنع من هو أقوى منه، أخبر أنه لا راد لأمره ولا معقب لحكمه، تصريحاً بما أفهم مطلع الآية من التمام، وأظهر موضع الإضمار تعميماً وتبركاً وتلذيذاً فقال :﴿لا مبدل لكلماته﴾ أي من حيث إنها كلماته مطلقاً من غير تخصيص بنوع ما، بل كل ما أخبرت به فهو كائن لا محالة، رضي من رضي وسخط من سخط.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٩٨
ولما كان المغير لشيء إنما يتم له ما يرد من التغيير بكون المغير عليه لا يعلم الأسباب المنجحة لما أراد ليحكمها، والموانع العائقة ليبطلها، قال عاطفاً على ما تقديره : فهو العزيز الحكيم :﴿وهو﴾ أي لا غيره ﴿السميع﴾ أي البالغ السمع لجميع ما يمكن سمعه من الأقوال والأفعال ﴿العليم *﴾ أي البالغ العلم لجميع ذلك، فهو إذن الكامل القدرة النافذ الأمر في جميع الأسباب والموانع، فلا يدع أحداً يغير شيئاً منها وإن دلس أو شبه.
ولما أجاب عن شبهات الكفار، وبين صحة نبوته عليه السلام، شرع في الحث على الإعراض عن جهل الجهال، والإقبال على ذي الجلال، فكان التقدير : فإن أطعته فيما أمرك به اهتديت إلى صراط الله الذي يتم لك بسلوكه جميع ما وعدك به، عطف عليه قوله :﴿وإن تطع﴾ ولما كانت أكثر الأنفس متقيدة بالأكثر، أشار إلى أن ذلك لا يفعله إلا جاهل مخلد إلى التقليد فقال :﴿أكثر من في الأرض﴾ أي توجد طاعتك لهم في شيء من الأوقات بعد أن علمت أن أكثرهم إنما يتبع الهوى، وأن أكثرهم فاسقون لا يعلمون لا يشكرون ﴿يضلوك عن سبيل الله﴾ أي المستجمع لصفات الكمال ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿إن﴾ أي لأنهم ما ﴿يتبعون﴾ في امورهم ﴿إلا الظن﴾ أي كما يظن هؤلاء جهلاً أن آباءهم كانوا على الحق.


الصفحة التالية
Icon