ولما كان معنى التحذير من طاعة المشركين أنكم إن فعلتم كنتم قد رددتم أنفسكم إلى ظلام الضلال بعد أن منحتم نور الهداية، فكان التقدير : أفمن كان هكذا كان كمن نصح لنفسه باتباع الأدلة وتوقي الشبه، عطف عليه قوله :﴿أو من كان ميتاً﴾ أي بالغرق في أمواج ظلام الكفر، ليس لهم من ذواتهم إلا الجمادية بل العدمية ﴿فأحييناه﴾ أي بما لنا من العظمة بإشراق أنوار الإيمان على قبله الذي إن صلح صلح الجسد كله، وإن فسد فسد الجسد كله ﴿وجعلنا﴾ أي بعظمتنا على وجه الخصوص ﴿له نوراً﴾ أي بالهداية إلى كل خير ﴿يمشي﴾ مستضيئاً ﴿به في الناس﴾ فيعرفون أفعاله وأخلاقه وأقواله ﴿كمن مثله﴾ أي الذي يمثل به، وهو ما ينكشف بوجه الشبه روح لبه وخلاصة حال قلبه، حال قلبه، أو يكون المعنى : صفته أنه ﴿في الظلمات﴾ أي ما له من نفسه من ظلمة الجهل وظلمة ما ينشأ عنه من الهوى وظلمة ما نشأ عن الهوى من الكفر، وإذا كان المثل الذي هو الأعلى من الممثول في شيء كان الممثول عريقاً فيه بطريق الأولى، فلذلك قال :﴿ليس بخارج﴾ أي ذلك المثل ﴿منها﴾ أي الظلمات بما زين له من سوء أعماله حتى صارت أحب إليه من نفسه وماله، وإذا لم يخرج المثل من شيء لم يخرج الممثول منه وإلا لم تكن بينهما مماثلة، وذلك لأنه زين له عمله، وهي ناظرة إلى قوله أول السورة ﴿إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله﴾ [الأنعام : ٣٦] وقوله :﴿والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات﴾ [الأنعام : ٣٩].
٧٠٧


الصفحة التالية
Icon